للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[منهج الصوفية في تفسير القرآن]

أما الصوفية: فإنهم دخلوا في مقاصد لم يقصدها القرآن، لا من قريب ولا من بعيد، تركوا القرآن بالقرآن والسنة النبوية واللغة العربية، وأتوا ينحتون من أفكارهم وشعوذاتهم، وزواياهم ومن مرقعاتهم؛ كلاماً يُضحك عجائز نيسابور!

اسمع إلى بعض تفسيراتهم يقول الحقي في التفسير الذي نقلته عنه وقرأته قبل ساعات وهو عجمي ونحن لا نقول هنا العرب والعجم بل نقول الإسلام:

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

لكن من باب التعريف، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بدأ الله بالباء لعشرة أسباب:

السبب الأول: أن الباء فيها تواضع وانكسار، ولذلك تمتد على السطر نقول: فتح الله عليك! أأنزل القرآن لهذه المعاني؟! تمتد على السطر منكوسة على رأسها، ومطروحة على ظهرها، ولذلك بدأ الله بالباء هكذا يقول في تفسيره.

السبب الثاني: لأن الباء فيها تواضع ولذلك ما وقفت مثل الألف.

يقول: الألف متكبرة وترى نفسها وتفتخر فوقفت وقوفاً! أما الباء فانصرعت وتواضعت فبدأ الله بها.

السبب الثالث: من تواضع الباء جعلت النقطة تحت أرجلها! لأن الجيم أخذت النقطة في بطنها، والخاء على رأسها والحاء تركت النقطة! لكن الباء من تواضعها جعلت النقطة تحتها.

ونحن نقول: الياء أكثر تواضعاً لأن تحتها نقطتان! فهكذا يقول إلخ.

وهذه الأسباب ولا أريد أن نضيع الوقت في نقل مثل هذه الأشياء.

ونقول: أأنزل القرآن لهذا؟! لو سألت ابن عباس وابن مسعود وخالد بن الوليد الذين فتحوا الدنيا ووصلت خيولهم إلى المحيط الأطلنطي وعمروا منبر التاريخ، وأقاموا لا إله إلا الله في الأرض أيقولون الباء بدئ بها لهذه الأسباب؟! لا والله.

ويقول من ضمن الأسباب: لأن الباء مكسورة، والكسر معناه انكسار القلب والتواضع والرقة.

قلنا: حاشا وكلا ما نزل القرآن لهذا، زيدونا من تفسيركم يا أيها الصوفية! ففيهم كما ترون الخير، يحمد فيهم أشياء، ولكن هناك أمور غلوا فيها لا نقبلها؛ لأنها وزنت على السنة فرمت بها السنة على شفا جرف هار فانهار بها في نار جهنم.

أحد الصوفية لما قال الله عز وجل في سورة آل عمران: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:١٥٢] أي: من الصحابة.

فأهل المغانم لما نزلوا وتركوا عبد الله بن جبير -قد قتل مع السبعين في أحد -وتركوا الجبل وحماية الموقف قال الله لهم: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:١٥٢] المتاع: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:١٥٢] ومنكم من يريد جنة عرضها السماوات والأرض كـ مصعب، وكـ أنس بن النظر، وعبد الله بن عمرو الأنصاري الذين يأتون إلى الواحد الأحد تتدفق دماؤهم، ولسان حال الواحد منهم يقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى.

فيقول هذا الصوفي: سبحان الله! وأين الذي يريد الله؟ فهذا يريد الدنيا وهذا يريد الآخرة ولا أحد يريد الله؟!

قلنا له: يا غبي! الذي يريد الآخرة يريد الله.

ولذلك سمعت أن بعض الناس يقول: إن رابعة العدوية تقول: ما عبدت الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره -قلنا: لماذا عبدت الله؟ - قالت: إنما عبدته حباً فيه.

قلنا: هذا يخالف منهج أهل السنة والجماعة؛ والله عز وجل ذكر السنة وأهل الصلاح فقال: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:٢٩] وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:١٣٣] وجعفر تتحكم السيوف على رأسه يوم مؤتة ويقول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

ثم يطير بعد ساعات بجناحين من شجرة إلى شجرة في الجنة، والله يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:١٧٠].

ما هذا التخلف؟! تقول للذي يريد الآخرة أنه لا يريد الله؟! فهذا كلام رابعة مرفوض ولا نقبله؛ لأنه وزن بالقرآن والسنة فأصبح كلاماً خاطئاً لا صحة له.

يقول أحد الصوفية وهو يعظ الناس: يا قلب! يا لسان! اذهب إلى فرعون إنه طغى.

قالوا له: من هو فرعون؟ قال: قلبي.

قالوا: وموسى؟ قال: لساني.

ففرعون هنا يقول: إنه القلب، قال: وأرسل الله اللسان إلى القلب فقال: يا لسان! اذهب إلى فرعون إنه طغى.

كأن هذا المتخلف ما علم أن الله خلق فرعون وخلق موسى، وأوجد صراعاً عالمياً، وتحدياً حضارياً، بين دعاة التوحيد ودعاة الضلالة، بين أهل العمالة وأهل الحق، وقامت الدنيا، حتى قال بعض المفكرين: موسى وفرعون حربهم جوية وبحرية وبرية.

فكان الثعبان يشتغل في الجو، والبحر يدمر فيه فرعون، والبر ينازله فيه موسى.

وبعد هذا كله ينسى التاريخ ويقول: اذهب يا لساني إلى قلبي -فقلبي فرعون- إنه طغى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>