للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الرقية بالفاتحة]

أما كيف يرقى بالفاتحة فأعظم رقية يرقى بها المريض الوجع المصروع الذي أصابه جان، وكثير من الناس ينكرون هذه الرقى على مذهب محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وهؤلاء ينكرون الغيبيات كثيراً، وهذا ليس بصحيح، بل يرقى بالقرآن، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد قال: ذهبنا في البادية -أي: فرقة من الصحابة- فلدغ رجل من الأعراب -رجل بدوي لدغته عقرب أو حية، وعند العرب إذا لدغ الرجل سموه سليماً تفاؤلاً- يقول الأعشى في قصيدته الدالية التي يمدح بها الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن ما وصل بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد رشاه أبو سفيان في الطريق بمائة ناقة، فعاد فوقع من على ناقته في درب قريباً من الرياض، فانكسرت عنقه فذهبت مائة ناقة ولا أسلم ولا نجا ولا كفى.

يقول:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا

يقول: إنني بت في الليل لا أنام، شوقاً إلى المصطفي في المدينة صلى الله عليه وسلم.

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا

ثم يقول وقد بز الشعراء ببيتين حسنين جميلين ظريفين يقول:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا

لكنه ما أسلم، فالشاهد أن السليم عند العرب هو الملدوغ، وقالوا له: سليماً تفاؤلاً، وقالوا للأعمى: بصير وهو أعمى، فسموه بصيراً تفاؤلاً، وقالوا للذي بعين: أبو عين كريمة.

وهذا أحسنوا فيه، وبعض الناس عنده من الذكاء ما يخرج الموقف، إذا أحرج في المجلس يأتي بكلام طيب.

دخل ابن هرثمة وهو أحد القواد العباسيين الكبار -وقيل غيره- في مجلس أبي جعفر المنصور، وأبو جعفر زوجته اسمها الخيزران، وبيد القائد خيزران وعنده الوزراء والأمراء، فقال أبو جعفر المنصور للقائد: ما بيدك؟ فإن قال: الخيزران تذكر أن امرأته في البيت اسمها الخيزران، فقال: يا أمير المؤمنين! هذه عصا تؤخذ من الشجر الذي يصنع منه الرماح؛ فأعطاه جائزة.

واسم هذا الشجر الخطي، وذكر زهير بن أبي سلمى يقول:

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في مغارسها النخل

فلذكائه قال هذا.

فلدغ هذا الرجل فأتى أبو سعيد -وقيل: غيره- فرقى الرجل -هذه القبيلة للؤمها وقلة حيائها من الله أبوا أن يضيفوهم.

بعض القبائل تحطم الرقم القياسي في البخل، تصلي معهم في المسجد فيتركون تسبيح ثلاثة وثلاثين ويذهبون وأنت تسبح ثلاثة وثلاثين! لأنهم رأوك غريباً في المسجد، ولهم فنون في ذلك، وربما يتحالفون على الضيف حتى يتركوه، يحلف هذا أنك لا تأخذه ويحلف هذا أنك لا تأخذه فيبقى واقفاً، وتركوك قائماً.

فالصحابة ذهبوا إلى القبيلة هذه فطلبوا منها القرى فرفضوا، فلدغ شيخهم فأخذ يتعقرص ويتعقرب في البيت فقالوا: هل منكم قارئ يقرأ عليه؟

قال: والله الذي لا إله هو لا أقرأ عليه إلا بثلاثين شاة.

وهذا بطل، أحرموهم عشاء شاة فأخذ عليه تسعاً وعشرين شاة.

فقالوا: اقرأ عليه ونعطيك؛ فبرك على صدره وقرأ عليه الفاتحة فاستفاق بإذن الله، فأعطوه ثلاثين شاة.

قال الصحابة بعضهم لبعض: لا تذبحوها حتى نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه قال: {كلوا واضربوا لي معكم بسهم، وقال للقارئ: من أخبرك أنها رقية؟} -أي: أنه أصاب فإنها رقية تقرأ على المصروع فيشافى بإذن الله ويخرج الجان المتلبس في المصروع وإلا كيف تتكلم امرأة على لسان رجل؟ فهذا لا ينكر عقلاً ولا حساً قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:٢٧٥] وقال تعالى: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام:١٢٨] والرسول صلى الله عليه وسلم رقى صريعاً كما في صحيح مسلم وأخرج الجان وقال: {اخسأ عدو الله أنا رسول الله} فهذه مسألة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>