للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى "أعوذ"]

أعوذ: معناها ألتجئ وأعتصم وأعتمد وأستجير وألوذ بالواحد الأحد، وأنت يوم تنطق "أعوذ" فعليك أن ينصرف قلبك إلى أنك خلق أمام خالق، وأنك ضعيف أمام قوي، وأنك فقير أمام غني، فالقوة والغنى لله، والعظمة لله، وأنت إذا لم يُسددك الله عز وجل فالهلاك والدمار والشنار والبعد لك.

إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

وكلمة "أعوذ" قبل أن نعرف إعرابها أو نحوها أو صرفها نعرف عقيدتها، وهذا هو الواجب الذي نريد تدارسه؛ لأن الهداية في أعوذ، معناها: أن نعقد نية وعقيدة في أنفسنا على أنه لا يعيذ إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يكتفى إلا بالله، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:٣].

وأورد ابن عساكر للمتنبي بيتين ليست في ديوان المتنبي، كان يقول المتنبي لأحد السلاطين والملوك الذي هو سيف الدولة ابن حمدان:

يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره

وهذا يقوله لرجل من الناس سبحان الخالق!

يقول ابن تيمية: إني لأدعو بما تضمنهما هذين البيتين لله في السجود.

بمضمون هذين البيتين يدعو بهما إلى الواحد الأحد؛ لأنها لا تنصرف إلا إلى الباري.

وأحد الناس وقف أمام سلطان وقال:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

فابتلاه الله بالمرض وأقعده فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، حتى يقول وهو يخاطب السلطان:

أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق

لست الملوم، أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق

سبحان الخالق!

وتأتي أبيات للشعراء فيها انحرافات عقدية، فيبدعون لكنهم انحرفوا.

أما رأيتم الأبيات لـ أبي فراس الحمداني التي قالها في بشر لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، حتى يقول ابن القيم: أبدع كل الإبداع ولكن أساء كل الإساءة لما جعلها في بشر، والناس ينسبون هذه الأبيات لـ رابعة العدوية، وهي لـ أبي فراس يقولها لابن عمه سيف الدولة؛ لأن أبا فراس الحمداني سجن في سجن الروم أسيراً، فيقول لـ سيف الدولة:

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

فأجاد كل الإجادة في النظم، ولكن أساء كل الإساءة يوم صرفها إلى مخلوق، مات قبله أو مات بعده لم ينفعه أبداً ووصلوا إلى الواحد الأحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>