للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وسطية الإسلام بين المناهج العصرية]

فابتداءً من المناهج العصرية التي تعيش معنا اليوم نجد أن الإسلام دينٌ وسط.

مثلاً: الرأسمالية في معناها الاصطلاحي الحاضر: جمع الأموال بدون قيدٍ ولا شرط، فلا زكاة، وليس هناك شيءٌ اسمه الربا أو الحرام في كسب المال، وهذا طرف.

والشيوعية الملحدة الكافرة التي تحكم بـ الاشتراكية وهي طرفٌ آخر: تأخذ الأموال بحجة أنها تأخذها من الأغنياء وتعطيها الفقراء، وهذا كذب، بل تؤخذ من الأغنياء لتردهم فقراء، وتدفع إلى أشياء لا نستطيع أن نتحدث عنها الآن.

ثم جاء دين الإسلام، بل دين الإسلام هو قبل هذه المذاهب كلها فهو دينٌ وسط، فقد أمر باقتناء الأموال وهو هنا مخالف للشيوعية التي تلغي الملكية الفردية، وتلغي الأسرة، بل وتنكر كل النواميس التي يؤمن بها الإنسان بعقله حتى تنكر الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالى تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- فجاء الإسلام وهو وسط بين طرفي نقيض فليس هو في الرأسمالية التي لا تقف عند حدٍ في كسب المال، ولا تعترف بربا ولا بمحرم في كسب المال، ولا تعترف بزكاة ولا غيره، ولا هو بـ الشيوعية الاشتراكية التي تبتز أموال الأغنياء لتحولهم إلى فقراء دون أن تسد حاجة الفقراء.

فقد جاء الله عز وجل بأحسن نظام، وهو نظام الزكاة، والنفقات، والكفارات والصدقات، إلى غير ذلك.

أمر آخر: من المذاهب العصرية التي تعيش معنا اليوم؛ الشيوعية الملحدة المادية التي لا تؤمن إلا بالمحسوسات، وهذه لا يخفى على أحدٍ منا، وهي -والحمد لله- الآن سقطت تحت أقدام المسلمين اليوم، فهي تداس بالأقدام حتى في بلادها.

وهناك مذهبٌ آخر خرافي يقدس ويحترم الروح، ويهمل الجسد، تلك تهمل الروح وتهتم بالجسد، وهذه تهمل الجسد وتهتم بالروح وتبالغ.

ولذلك الحديث عن هذا المذهب الأخير في بلادنا غير واضح وغير مفهوم والحمد لله؛ لأن بلادنا لا تعرف البدع ولا الخرافات ولا الشركيات والوثنيات، ونشكر الله عز وجل، ثم نشكر لدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب الذي كان سبباً في إنقاذ هذه البلاد بالرغم من ترامي أطرافها، وبالرغم مما هي فيه من الجهل والبادية في سابق أمرها.

لكن -يا أخي- لو سرت في العالم الإسلامي لرأيت العجب العجاب، ولرأيت قوماً يقدسون القبور والأولياء، ويعتقدون فيهم النفع والضر من دون الله، بل -والله- يقدسون حتى من دون ذلك، ولقد رأيت -والله- بعيني هاتين قبر رجل شيوعي في مكان وقد بنى عليه ضريح، وهم يعرفون أنه شيوعي صيني.

فهذه الأمور التي تعدت الحدود في الروحانيات؛ فقدست الأولياء بدون قيدٍ ولا شرط، واعتقدت أنهم ينفعون ويضرون من دون الله عز وجل، وهذا شرك أكبر.

ولو رأيت -يا أخي- بعض المزارات؛ لرأيت أن من يطوف حول الكعبة لا يساوي معشار من يطوف حول هذه الأضرحة، فإنه يحج إليها الناس في باصات وطائرات وقطارات، كلها تذهب إلى هذه الأضرحة، والناس في زحام حتى لا يُعطى الشخص في بعض الأماكن إلا شوطاً واحداً من شدة الزحام، يقول: شوط واحد فقط وتمشي، أما الطواف حول الكعبة فإنه سبعة أشواط؛ لأن العدد حول الكعبة معقول يتسع لسبعة أشواط؛ لكن هنا لا يتسع لسبعة أشواط.

والمصيبة الكبيرة -يا إخوان- أننا رأينا علماء -أشكر الله على هؤلاء العلماء الذين يسيرون بكم نحو الفطرة- يدعون الناس إلى هذه الوثنيات والقبور والأضرحة، ويريقون من الدموع حول هذه الأضرحة؛ أكثر مما يريقه المسلمون حول الكعبة المشرفة وعند الحجر الأسود.

وهذه بلية نحن -والحمد لله- سلمنا منها، فنشكر الله عز وجل الذي هدانا للفطرة.

ولقد تذكرت حينما كنت أسير في تلك البلاد وأرى هؤلاء المخرفين والخرافات بل وأرى من العلماء من يدعون هؤلاء الناس إلى هؤلاء المهذرفين وهذه الخرافات، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله، قالوا: أنتم تكرهون محمداً والأولياء والصالحين.

ونحن -والله- نحب محمداً أكثر منهم، ونحب الصالحين أكثر منهم، لكننا لا نعطي أحداً ما نعطيه الله عز وجل، تذكرت وأنا أرى هذه المناظر المحزنة المبكية المضحكة في آن واحد قول الله عز وجل عن قومٍ في النار يلومون قوماً في النار: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨] يعني: ما جئتمونا عن طريق المعاصي، وعن طريق الآثام، بل جئتمونا عن طريق الطاعة، عن طريق اليمين وعن جهة اليمين، فلو جئتمونا عن الطريق المنحرفة لما صدقناكم، فهذا ما يقوله بعض أهل النار لبعض، ويقوله الأتباع للقادة وللسادة.

فإنهم لو أتوهم عن طريق المعصية والخمور والزنا والفواحش والسرقة والسطو لما اتبعوهم، وهذه جرائم كبيرة خطيرة لكن الإنسان وهو يقترفها يتوب منها؛ لأنه يعترف بأنها معصية، وأجهلهم إذا قيل له: اتق الله، قال: عسى الله أن يهديني؛ لكن ما رأيك في إنسان يعمل البدع والخرافات والشركيات والوثنيات ويعتقد أنها من الدين؟

هل يفكر أن يتوب في يوم من الأيام؟

لا يفكر بذلك؛ لأنه يعتقد نفسه في طاعة، ولذلك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أخبر عنهم في النار، فقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَة * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:٢ - ٤] خشوعها ونصبها في الدنيا ما خلصها من النار الحامية؛ لأنهم لم يسيروا على المنهج الذي سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم.

إذاً نحن بين طرفي نقيض، بين من يدعو إلى المادية وينبذ الروح، وبين من يزيد في حق الروح ويتعدى فيها الحدود، ويهمل الجسد.

ولذلك فإننا أمة وسط، وديننا وسط والحمد لله، ونحن نشكر الله عز وجل على ذلك، فنحن نؤمن بالله عز وجل، ونؤمن بالروحانيات، لكننا لا ننسجم معها على غير منهجٍ صحيح وعلى غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>