للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوزير ابن بقية يقطع الله يده بدعوة]

دخل أحد الصالحين على الوزير ابن بقية -وقيل: غيره من الوزراء- فمَدَّ ابنُ بقية يدَه فضرب بها هذا الرجل الصالح والأيادي قد ترسل على الخلق لتبطشهم إن لم تقيد بتقوى من الله فقال له الصالح: لأرُدَّنَّ عليك بسهام الليل، قال: اذهب أنت وسهامك.

فاشتكى إلى الله، وجلس بعدها بِلَيْلة في السحر يرفع شكواه إلى الواحد الأحد.

قيل لـ علي بن أبي طالب: كم بين التراب والعرش؟ وظن السائل أن علياً سوف يعد له بالكيلومترات أو بالأميال، قال: [[بينهما دعوة مستجابة]].

ويقول صلى الله عليه وسلم: {ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}.

أما هذا الرجل الصالح الذي لطمه الوزير العباسي، الذي جعل لطمته لأحد المستضعفين والفقراء وليس وراءه هيئة تطالب بحقوقه؛ لكن معه الله جلس في السحر يدعو ويشكو ويبكي ويقول: يا رب! لطمني والله يعرف أنه لطمه، والله سوف يقتص له، لكن أراد هذا الرجل الصالح أن يكون النصف والعدل في الدنيا.

قال: اللهم كما لطمني بيده، اللهم اقطعها في الدنيا.

فاستولى الخليفة القاهر على الخلافة، وأتى بالوزير فقطع يده، وعلقها بباب الطاق عند مدخل بغداد، ومرَّ هذا الفقير ورأى اليد مقطوعة؛ لأنه اشتكى في الثلث الأخير من الليل.

جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: {ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟}.

قال المفسرون -وقد ذكره ابن كثير وغيره- في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن يعقوب حين قال لأبنائه: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:٩٨] قالوا: لماذا لا يستغفر لهم وهم جلوس عنده؟ فقالوا: يريد أن يتحرى بهم السحر، أي: أراد أن يلتقي مع ربه في السحر، فقال: أنظروني قليلاً حتى يأتي السحر، فسوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم.

ومدرسة المساكين والفقراء لا يعشقها إلا رواد الحق، ولا يحبها إلا أحفاد محمد عليه الصلاة والسلام، فهم يأتون من كل حدب وصوب لهذا الدرس ولأمثاله، ولهذه المحاضرة ولأمثالها، ويحشدون ويؤيدون السواد المؤمن، ويأتون ويباركون المسيرة الخالدة الموجهة التي بنيت على تقوى من الله ورضوان، فهم أهل الثلث الأخير من الليل، وهم أهل السلاح الفتاك الذي هو سهام الليل.

وبيننا وبينكم وصية نجعلها سراً ولا تخبروا بها أحداً من الناس، وكلما ذكرت لكم سراً من الأسرار في درس السبت ذهبت إلى الناس فوجدت هذا السر قد انتشر.

هذا السر: أن ندعوَ لكم وتدعو لنا، لا نريد منكم شيئاً ولا تريدون منا شيئاً، فليس بيننا شركة ولا مؤسسة، ولا مقاولات ولا بنايات ولا عمارات ولا فِلَل، بيننا أننا جمعية كبرى إمامها محمد عليه الصلاة والسلام، وأعضاؤها كل خيِّر في الأرض، وأنتم من روادها؛ ولكن بيننا حبل متين، وهو الدعاء في ظهر الغيب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>