للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المنافقون وصفاتهم]

ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٨] الآن يبدأ سُبحَانَهُ وَتَعَالى بذكر المنافقين وصفاتهم وسوف نمر بها في القرآن في هذا الدرس إن شاء الله وقوله: (وَمِنَ النَّاسِ) لم يقل سُبحَانَهُ وَتَعَالى: آل فلان أو المنافقون، لأن التشهير ليس من أسلوب القرآن ولا السنة، وإنما شهَّر ببعض الناس في القرآن كفرعون؛ لأنه شهَّر بنفسه، وقارون وأبو لهب أما غيرهم فلم يشهر بهم في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصعد المنبر ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ولا يسميهم.

فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَمِنَ النَّاسِ) وقيل: السر فيها لحقارتهم فإنهم لا يذكرون، ولذلك إذا أردت أن تتكلم عن بعض الناس لتهون من شأنهم، تقول: بعض الناس يقولون كذا وكذا لكنك إن قلت آل فلان بن آل فلان يقولون: كذا وكذا أو فلان ابن فلان يقول كذا وكذا، كأنك رفعت قدره.

والبخاري في كتاب الحيل في الصحيح أتى بهجوم أدبي، على بعض الأحناف، يقول كثيراً: قال بعض الناس: يعني: خطَّأ آراءهم، ولذلك أتى حنفي في القرن الخامس كتب كتاباً اسمه المقياس في الرد على من قال بعض الناس يقصد البخاري، فـ البخاري يهون من شأن آرائهم، يقول: من هم هؤلاء حتى يردون على السنن، فيقول: قال بعض الناس غفر الله للجميع.

المتنبي له طرفة يقولون: هجاه ثمانون شاعراً فقالوا: لماذا لا ترد عليهم؟ قال: ما سمعتهم حتى أرد عليهم، يعني: من هم؟ لأنه لو رد عليهم لضخمهم، ولذلك إذا أردت أن تميت الإنسان فاتركه.

إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت

فإن جاوبته فرجت عنه وإن أغفلته كمداً يموت

لم يقل الشاعر: (أغفلته) لكن هذه الأقرب، وبعض القراء: يقرءون في سورة الدخان (مَنْ فرعون) والقراءة الصحيحة {مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان:٣١] فبعضهم يقرأ (مَن فرعون) استخفافاً واحتقاراً، فلذلك يقول الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ) استخفافاً بهم واحتقاراً لهم وسوف يأتي الاحتقار بهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>