للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صفات أخرى للنفاق العملي]

يذكر ابن تيمية من أنواع النفاق من يحب لغات الكفار، حتى تجد بعض الناس الآن هذا الجيل لا يحب أن يتكلم إلا الإنجليزي، سبحان الله! هو لا يعرف شيئاً لكن يحب أن يتكلم ويرطن بلغتهم ويقدمها على اللغة العربية وهذا من علامات النفاق؛ لأن الذي لا يحب العربية معناه أنه لا يحب القرآن؛ لأنها لغة القرآن فهذه من علامات النفاق التي وقعت، ومنها أمور أخرى مثل حب ملابسهم، فهو يحب البنطلون دائماً، ولبس البنطلون ليس حراماً لكن لباسنا المعروف هي: الثياب، لكن يأتينا واحد يلبس البنطلون دائماً، فنحن نشك فيه ونقول: عنده نفاق عملي، لأنه لا يحب البنطلون إلا لأنه يحب أهله وهذا فيما إذا كان ليس بجاهل.

أحب بني السمراء من أجل حبها ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا

يقول: حتى كلاب حيهم أحبها من أجل حب أهلها، ويقول مجنون ليلى:

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

فالمؤمن يحب مكة والمدينة ليس من أجل حجارتها السود، لا والله، بل من أجل من مشى على ترابها، سادة العالم وقادة البشرية ومفاتيح الخير ومشاعل الحق: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مع صاحبهم الكبير عليه أفضل الصلاة والسلام، والكفر يبغض ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم {أحد جبل يحبنا ونحبه، وعير من جبال النار} فلذلك المؤمنون يحبون جبل أحد لا لحجارته وترابه لكن لأنه يحبه صلى الله عليه وسلم، والدبا يأكله أنس فقالوا: ما لك؟ قال: [[أحبه لأني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يتتبعه في الصحفة فأنا أحبه]] والضب كثير من الصحابة لا يأكله، وكانوا يأكلونه، قالوا: ما لك؟ قال: [[كرهه الرسول صلى الله عليه وسلم فأنا أكرهه]] فحب ما يحب الله عز وجل من علامة الإيمان، وحب ما يبغضه الله من علامة النفاق، هذا لا بد أن يبين.

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠] فيها إثبات زيادة الكفر وأن الكفر درجات، وأن النفاق درجات، وأن الإيمان درجات بمفهوم المخالفة، لأنه مر معنا أن الله يزيد الذين آمنوا إيماناً، ويزيدهم هدىً، وهنا يزيد الله المنافقين نفاقاً، فهم درجات، منهم في المركز الأول، ومنهم من يحمل دكتوراه في النفاق، ومنهم ماجستير، ومنهم من عنده مسحة من النفاق، ومنهم من عنده واحد في المائة، فهم درجات {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:١٦٣].

ولا يخلو أحد في الغالب من شيء من النفاق، ولذلك يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه لـ حذيفة كما في صحيح البخاري: [[أسألك بالله يا حذيفة، أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا، ولا أزكي أحداً بعدك]] فالنفاق كما قال الحسن البصري كما في صحيح البخاري: [[ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق]] المنافق الآن إذا جئته وقلت: أنت منافق! فإنه يقاتلك، يقول: أنا منافق؟! وإذا قلت لبعض المنتسبين إلى الإسلام الذي بلغ درجة الكفر وهو في بلاد المسلمين لا يصلي أبداً، يا كافر! فإنه يقاتلك، والمؤمن إذا أتيت تقول له: أخشى عليك من النفاق، يتأثر وينكسر قلبه، ويخاف منه ويقول: نعوذ بالله، نسأل الله العافية، يارب رحماك وعفوك، إذاً النفاق ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق.

ومن علامات النفاق: الاستهتار بالذنوب والخطايا، قال ابن مسعود: [[المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق يرى ذنوبه كأنها ذباب قال به هكذا فطار من على أنفه]] يرتكب الكبائر ويقول الحمد لله نحن على خير، ونسأل الله الخاتمة الحسنة، والله غفور رحيم والناس كلهم في صلاح وخير، ورحمة الله وسعت كل شيء، لكن لا يذكر أن الله شديد العقاب.

ولكن المؤمن إذا أتى بخصلة فتراه دائماً يعض أنامله ويندم ويبكي ويتأثر، فهذه من علامات الإيمان وتلك من علامة النفاق، وقد ورد في حديث لـ عمر وبعضهم يرفعه وبعضهم يوقفه عليه {من سرته حسنته، وساءته سيئته فهو المؤمن} فمثلاً أنت إذا صليت بخشوع فرحت فأنت مؤمن، وإذا تصدقت انشرح صدرك فأنت مؤمن، وإذا وصلت رحمك فانشرح صدرك فأنت مؤمن وإذا أسأت بكلمة أو بنظرة فندمت فأنت مؤمن، إن شاء الله، وهذا ميزان.

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠] يقول ابن تيمية شيخ الإسلام: مبنى النفاق على الكذب، أي أن الكذب بني على النفاق ولذلك أكذب الناس أقربهم إلى النفاق، وأكثر الناس نفاقاً أكثرهم كذباً، فالكذب ابن عم النفاق.

رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرقا

الكذب والنفاق أولاد عم رضعا من ثدي واحد، وهو ثدي الكفر والخبث -والعياذ بالله- فما يأتي الكذاب إلا منافقاً والمنافق إلا كذاباً، ولذلك الشجاع لا يكذب أبداً، وممن وصف بالصدق في التاريخ أناس كثير، حتى ولو كان في الصدق حتفهم منهم:

زر بن حبيش أحد الرواة العلماء الصادقين الصالحين العباد، قال الحجاج بن يوسف: أيكذب أحد من الناس؟ قالوا: لا ندري إلا أن زراً لن يكذب أبداً قال: لأحوجن زراً إلى أن يكذب هذا اليوم، فقال: أين أبناؤه؟ قال الناس: أبناؤه في بيته، قال: سوف أقول له: سوف أقتلهم؛ فإنه بذلك سوف يخفيهم ويكذب، فأرسل إليه الجنود فأتوا بـ زر وهو شيخ كبير قال: أبناؤك خرجوا علينا وفعلوا وفعلوا ثم حلف الحجاج لأقتلنهم أين هم؟ قال: هم في البيت، فتبسم الحجاج قال: إن كذب أحد فلن يكذب زر أو كما قال، يعني من صدقه لن يكذب أبداً.

يقول الإمام أحمد: الصدق كالسيف لو وضع على جرح لبرى، ولذلك بلغ الله الصادقين منازل الصدق، وبلغ الكاذبين منازل الكذب -نعوذ بالله من الكذب- وإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، إذا ألجئت إلى مسألة وأردت ألا تكذب فعليك بالمعاريض، وهو أن تعرض بكلامك إلا في الحقوق فإنه لا يجوز لك أن تذهب إلى القاضي وتكذب في الظاهر وأنت تريد أمراً في الباطن؛ لأن في الحديث الصحيح {يمينك على ما صدقك به صاحبك} مثلاً: إذا ضربت أحداً بالعصا، فيأتي القاضي فيقول لك: كيف تضربه بالعصا؟ تقول: ما ضربته، فتقول: والله الذي لا إله إلا هو أني ما ضربته يعني: تقصد في نيتك ما ضربته بيدي، لكن العصا ضربته، -وهذا ما يفعله بعض الناس- ويقول: ما حلفت على هذا لكن حلفت على هذا، يقول لك: لماذا غيرت منار الأرض من مكان إلى مكان؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو ما غيرته، يعني: أنه ليس هو لكنه ابنه، وهذه من المعاريض المحرمة لأخذ حقوق الناس.

لكن المعاريض المباحة تكون في عدم أخذ الحقوق وأموال الناس مثلما حصل لـ مطرف بن عبد الله وهو أحد العلماء لما غضب عليه الحجاج بن يوسف وأرغى وأزبد وأرعد وأراد أن يقتله قال: عليَّ بـ مطرف، فأتى مطرف فدخل عليه يريد أن يقتله؛ لأنه يقول: إنه مع الذين خرجوا عليه، قال: لماذا لم تأتنا؟ قال: والله ما رفعت جنبي منذ أن فارقتك إلا ما رفعه الله، وهو صادق، ما يرفع الإنسان جنبه إلا ما رفعه الله، فصدقه الحجاج، يقول: ما رفعت جنبي يعني: كأنه من المرض إلا ما رفعه الله.

الإمام أحمد أتى إليه في أيام الفتنة جندي أرسله المعتصم يريد أخذ الإمام أحمد فطرق الباب فقام تلميذ الإمام أحمد وقال: إن أحمد ليس هنا وأشار بيده إلى كفه من وراء الباب، وهو صحيح وهذه من معاريض الأذكياء ولـ ابن الجوزي كتاب يسمى كتاب الأذكياء في المعاريض.

ابن الجوزي دخل في حي للرافضة تعرفون الرافضة وهو لو تكلم بكلمة خطأ لقتلوه قالوا: أي الصحابة أفضل؟ فقال ابن الجوزي: أفضلهم الذي ابنته عنده، ثم سكت، فسكت أهل السنة وسكت الرافضة، أهل السنة يقولون ابنته أي: أبو بكر ابنته عند الرسول صلى الله عليه وسلم والرافضة يقولون: ابنته أي بنت الرسول صلى الله عليه وسلم عند علي فسكت، فهذه هي من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب هذا على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠].

<<  <  ج:
ص:  >  >>