للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مواقف السلف في التعامل مع أهليهم]

والصحابة مع أنهم عاشوا معه لم يساووه في الحلم، وسعة الصدر والخلق، ولكن {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦].

الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، أتت امرأة تستفتي عمر، وتقول: [[يا أمير المؤمنين! خطبني الزبير، فهل أتزوجه؟ قال: لا -وهو من العشرة- قالت: ولم؟ قال الزبير: من أخشانا لله وأتقانا لكن يدٌ بالعصا ويدٌ بالقرط]] أي اليد اليمنى العصا أو الهراوة أو بالمشعاب وفي لفظ: بالكرباج، واليسرى بجدائل المرأة، أي: أنه ضراب، فـ عمر أرشدها لأنه لا يستطاع أن يعايش رضي الله عنه، ولذلك تزوج كثيراً، فأنى نبلغ مستواه صلى الله عليه وسلم! لكن التسديد والمقاربة.

وكفران العشير ورد في صور: أتى رجلٌ -كما في المسند للإمام أحمد - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!

أشكو إليك ذربة من الذرب وهن شر غالب لمن غلب

قصيدة طويلة، يقول: أشكو إليك مصيبة من المصائب، قال: ما هي؟ قال: زوجتي! أرته النجوم في النهار، وبعض الناس يفتح الله عليه بزوجة صالحة خاشعة منيبة عابدة تريه النجوم في النهار، فأتى هذا الرجل فقال: {يا رسول الله! أشكو إليك زوجتي -أطلقني أطلقك الله، وأعتقني أعتقك الله- قال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: وهن شرُ غالبٍ لمن غلب، وهن شرُ غالبٍ لمن غلب} يقول: مهما كان الرجل قوياً صارماً فإن المرأة تغلبه في كثير من الأمور.

دخل أبو أيوب الأنصاري على ابن عمر فوجد الستور -وجد الجدران مسترة بالقماش- فقال أبو أيوب: [[حتى أنت تستر الجدران وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك! قال: غلبنا عليهن النساء]] أي: غلبنا النساء على هذا الأمر ففعلنا، فرجع أبو أيوب ولم يحضر الوليمة رضي الله عنهم جميعاً.

فالرسول عليه الصلاة والسلام عاش مصلحاً بين الناس، ويعرف أن المرأة لا تزال تكفر الإحسان حتى ولو كانت عابدة تصلي الضحى، وتصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وتقوم الليل، فلا يزال في طبيعتها أنها تكفر الإحسان.

جاء رجل من الصحابة إلى عمر رضي الله عنه فطرق عليه الباب، وأراد أن يشكو إلى عمر زوجته أنها آذته -وعمر أمير المؤمنين- فسمع صوت عمر يرتفع على صوت زوجته وصوتها يرتفع على صوته، فولى الرجل، ففتح عمر الباب فإذا بالرجل قد ولى، فناداه وسأله: أين تذهب؟ قال: يا أمير المؤمنين! أتيت في أمرٍ فسمعت صوت زوجتك وصوتك فذهبت، قال: ولم؟ قال: امرأتي آذتني وسبتني وشتمتني، فأتيت أشكوها إليك، فلما سمعت امرأتك تسبك وتشتمك ذهبت، فتبسم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال: [[إنما العيش بالمعروف، إنها امرأتي تصنع لي خبزي وتغسل ثوبي وتخدمني، فإذا لم نتلطف بهن ما عشنا معهن]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

ولذلك لا بد في البيوت أن يحصل هذا الأمر لكنه على مستويات، وهذا الأمر من المصائب التي يسأل الله العبدُ أن يكفر بها من الخطايا والذنوب، ففي صحيح البخاري وعند مسلم بلفظ آخر عن حذيفة قال: {كنا جلوساً مع عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: أيكم سمع ما قال صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا، قال: إنك عليها لجريء قل، قال: فتنة الرجل في أهله تكفرها الصلاة والصوم والصدقة.

قال: دعني من هذه لست أسألك عن هذه -لأن يعرف عمر هذه- أسألك عن التي تموج موج البحر -أي: فتنة الدم والسيف- قال: إن بينك وبينها باباً، قال: أيفتح أم يكسر؟ قال: بل يكسر، قال عمر: ذلك أولى ألا يغلق أبداً} وعمر هو الباب ولذلك قتل وبدأ السيف والدم في الأمة إلى قيام الساعة، فكان عمر سداً دون الفتن رضي الله عنه وأرضاه.

ولا يخلو بيت من المشاكل الزوجية، وقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى ابنته فاطمة فقال: {أين ابن عمك؟ -يقصد علي بن أبي طالب - قالت: غاضبته فخرج إلى المسجد} أي: تغضابت هي وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، البتول الطاهرة المطهرة، أم الحسن والحسين

هي بنت من هي أم من هي زوج من من ذا يباري في الأنام علاها

أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها

وعلي زوجٌ لا تسل عنه سوى سيفاً غدا بيمينه تياها

{فخرج، فلحقه صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً على البطحاء -أمير المؤمنين! أبو الحسن الأسد في براثنه، الذي قطع الله به رءوس الملاحدة وأهل البدعة، والزنادقة، والخوارج - فأخذ يضربه صلى الله عليه وسلم برجله، ويقول: قم أبا تراب! قم أبا تراب! قم أبا تراب!}.

فأخذ بنو أمية هذه الكنية ليسبوا علياً بها، يقولون: أبو تراب أبو تراب! يقول سعد بن أبي وقاص: والله إنها أحب الكنى إلى علي، أي: لا يرتاح علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا إذا قيل له: أبو تراب، وأعداؤه يقولون أبو تراب تصغيراً لشأنه رضي الله عنه، فسمع علي رضي الله عنه وأرضاه قولهم أبو تراب فتبسم وقال: [[هي أحب الكنى إلي]].

وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها

يقول: لا علي من هذا العار.

والبيت لـ أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته الرنانة الطويلة التي يقول فيها:

فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول راضٍ سيرة من يسيرها

وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها

واستدل بهذا البيت كذلك عبد الله بن الزبير، فإن بني أميه لا يعرفون معنى لقب ذات النطاقين، فكانوا يعيرون ابن الزبير به، يقولون: يـ ابن ذات النطاقين، وذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر أخذت نطاقها رضي الله عنها وأرضاها فقسمته قسمين: قسمٌ تمنطقت به، وقسمٌ ربطت به الطعام للرسول عليه الصلاة والسلام ولـ أبي بكر في الغار، فقال صلى الله عليه وسلم: {ذات النطاقين في الجنة}.

والوصية للمرأة أن تتقي الله في زوجها، فقد صح من حديث أبي أمامة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها؛ دخلت جنة ربها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام ولا تجحد المعروف، فإن ألأم الناس وأشأمهم من جحد المعروف، ولذلك يسميه العرب لئيماً

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فأبغض الناس إلى قلوب الناس هو الذي يجحد معروفهم، وينسى إحسانهم، ويتغافل عما قدموه من مكرمات، فكيف بالزوج الذي قدم لزوجته من المكرمات ما الله به عليم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>