للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من تلبس بمعصية ومات عليها]

من تلبس بمعصية هل يدخل الجنة إذا رجحت حسناته؟

نحن لا نقول كما قالت الخوارج: من ارتكب كبيرة فهو خالد مخلد في النار, كذبوا لعمر الله وتبت أيديهم, فقد هلكوا في هذه المسألة وفي غيرها وغلو غلواً كبيراً, وهؤلاء الخوارج كفروا الناس بالذنوب, والمرجئة قابلوهم فقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب, وتوسط أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وقالوا: لا, أخطأتم أيها الخوارج , فلا يكفر العبد بالذنوب إذا كانت أصول الإيمان عنده، ولكن من ارتكب كبيرة فهو تحت رحمة الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، لكنا نخشى عليه العذاب, وأنتم أيها المرجئة! أخطأتم كذلك حينما قلتم: لا يضر مع الإيمان معصية, بل تضر المعصية فهي تنقص الإيمان، وتخدش الحياء، وتقطع الحبل مع الله, وتورث الوحشة، وربما يدخل بها صاحبها النار، لكن لا يخلد في النار, فهذا توسط أهل السنة والجماعة.

فشاهدنا من هذه القصة أن هذا الرجل قتل نفسه.

وما حكم قتل النفس؟! قتلها كبيرة من الكبائر, وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قتل نفسه بسم كان معه سمه في النار يتحساه, ومن قتل نفسه بسكين كانت معه سكينه يقتل أو يجأ بها في بطنه في النار, ومن قتل نفسه بشيء -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- عذب بهذا الشيء في النار} فهذا الرجل لما قطع براجمه استعجل والله عز وجل هو الذي أعطى الروح وأعطى النفس, فليست ملكاً لصاحبها حتى يبادر بإهلاكها وإزهاقها, فمن أكبر الكبائر أن يقتل الإنسان نفسه, أو ينتحر, وهذا ليس في الإسلام فإنه ليس في الإسلام صعوبة تصل بهذا العبد إلى هذه الدرجة, صحيح أن الذي ينتحر هو الذي ما ملأ قلبه بلا إله إلا الله, الذي ينتحر هو الذي ليست له مبادئ في الحياة, الذي ينتحر هو الذي لا يؤمن بالله عز وجل، لا يؤمن بنعيمه ودرجاته وثوابه.

والعجيب أن صاحب كتاب " دع القلق وابدأ الحياة " دايل كرنيجي الأمريكي ترجم بتسع وخمسين لغة من لغات العالم، وهو من أشهر كتب الدنيا, هذا الرجل أراد أن يعالج الناس, يقول: إن القلق ضرب الناس حتى ملأت المستشفيات في أمريكا من أهل القلق والاضطراب، وأراد أن يعالجهم فألف لهم هذا الكتاب, ثم في آخر عمره انتحر هو بالسكين!! هو الذي يريد أن يعالج الناس انتحر بالسكين وقتل نفسه, لماذا؟ لأنه ما عرف طريق الله، وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢].

فالشاهد هنا أن هذا الرجل لما حشر وذنبه دخل الجنة، لأن حسناته أكثر، أسلم وهاجر، وجاهد وصام وصلّى فكثرت حسناته على سيئاته فدخل الجنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>