للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشافعي وأحمد على الطريق]

يقول الإمام أحمد لابن الشافعي: "أبوك من الذين أدعو الله لهم في السحر" هما زميلان ومن الأقران، والأقران بينهم حرب شعواء بالجملة، ولذلك يقول الذهبي: كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى وقاعدة الجرح والتعديل التي عليها الجمهور أن كلام الأقران في الغالب لا يقبل في بعضهم.

وورد عن ابن عباس أنه قال: [[لَلْعلماء -أو الأقران- أشد تغايراً أو تعايراً من التيوس في زريبتها]].

قد تجد داعية إذا ذكر داعية، هون من شأنه، وقلل من قيمته، وترك حسناته التي كأنها الجبال، وأتى إلى سيئاته التي كأنها العصافير والذباب، فضخمها وشخصها للناس سبحان الله ألا تنغمر ذرات سيئاته في بحار حسناته عند الله عز وجل؟! فلماذا تغمر جبال حسناته في ذرات سيئاته؟! أين العدل؟ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣].

أحمد أرسل له الشافعي قصيدة مبكية، إذا لم يفهم النثر أهل النثر فالشعر يفهمهم، وقد تكرر هذا ولكن

كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى

قالوا: تكرر قلت أحلى علماً من الأرواح أغلى

فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلا

هذه بضاعة أولئك الملأ الذين نصروا الإسلام، كان الإسلام في عهدهم مرتفع الهامة، قوي البنية، لكن لما أتى الاختلاف والشقاق، حوصرنا وحاصرنا الأعداء من كل جانب، يختلف الأعداء لكن في حربنا يتفقون.

كتب الشافعي إلى أحمد يقول:

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة

يـ ابن إدريس لست من الصالحين؟!

إذاً من الذي سيكون من الصالحين إذا لم تكن أنت منهم؟!

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

ثم يذكر الإمام أحمد بمنهج دعوي طيب لا يغيب عنه:

تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه

<<  <  ج:
ص:  >  >>