للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التسرع في الفتوى مذموم]

ما شاء الله! أما المفتون فالساحة مليئة بالفتاوى! كل يتربع في المجلس، ويقول: الذي تطمئن نفسي إليه كيت وكيت.

من أنت يا إمام؟!

هل كنت أبا عبد الله الإمام مالك بن أنس حتى تطمئن نفسك، هل كنت ابن تيمية حتى تطمئن نفسك إلى هذه الفتوى؟

فيعارضه الآخر.

والتسرع في الفتوى يدل على أحد أمرين:

إما الجهل، والجاهل يتكلم بلا علم؛ لأنه ليس لديه أصول مضبوطة، أو يدل على الهوى وحب الترؤس، فإنه يريد أن يظهر بين أصحابه أنه مفتٍ.

يقول أحد التابعين: والله الذي لا إله إلا هو، إنكم تفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر.

أتى رجل إلى علي بن أبي طالب -وهذا في أعلام الموقعين - فقال: ما حكم كذا وكذا؟

قال: لا أدري.

ثم تبسم أبو الحسن أمير المؤمنين فهو علامة جهبذ، قال: [[ما أبردها على قلبي! سئلت عما لا أدري! فقلت: لا أدري]].

هذا الخليل بن أحمد وكلامه من أحسن ما قيل، يقول: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك غافل فنبهوه (أي عنده علم لكن يقول: ليس عندي علم!.

يقولون له: يا شيخ حدثنا بارك الله فيك، اشرح لنا، وجه الأمة فيقول: أنا من أنا، أنا ليس عندي شيء) ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك جاهل فعلموه (أي رجل ليس عنده شيء فنقول له: أنت لا تدري، وليس عندك علم؛ فيقول: صدقتم، أنا أريد العلم، أفيدوني، فذاك علموه) والطامة الكبرى والداهية الدهياء والمصيبة، الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري! هذا ليس له حل إلا أن يتوفاه الله ويصلى عليه، أو أن يصيبه غرق في البحر أو أن يأتيه زلزال ويموت شهيداً، فهذا-الذي لا يدري وهو لا يدري أنه لا يدري وهو الاحتمال الرابع- هذا مصيبة! نقول له: أنت لا تدري يقول: لا! أنا أدري.

قلنا: هل تفتي في هذه المسألة؟

قال: نعم، أفتي.

قلنا: ما الدليل؟

قال: ما عليكم من الدليل، أنا أعرفه هكذا.

قلنا: مَنْ عَلَّمك؟

قال: علمني علام الغيوب!!

هذه علامة غلاة أهل التصوف والابتداعيون، الذين يقولون: علمنا من الخلاق لا من عبد الرزاق.

قال ابن القيم: والله لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الخلاق.

قالوا: علمنا علم الخرق وليس علم الورق.

ويقصدون بالورق التحصيل العلمي، وإنما العلم بالتعلم، فمسألة التسرع في الفتوى هي التي تورث كذلك بعض هذه الأمور.

إخوتي في الله! الشاهد من هذا الحديث أن نسأل الله تعالى لهذه الأمة المسكينة المضطهدة المظلومة، التي اجتمع عليها الأعداء من كل جانب، أما جوها فميراج إسرائيل تقصف الأرض، وأما أرضها فأهل فسق وأهل شرود عن طاعة الله عز وجل إلا من رحم الله عز وجل، وأما هواؤها فمسموم باختلافات وأمور لا توجب الخلاف؛ فنسأل الله أن يجمع الشمل، وأن يوحد الكلمة، وأن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، ولعل الحديث واضح:

إن كيد مطرف الإخاء فإننا نسري ونغدو في إخاء تالدِ

أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحدِ

أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالدِ

يا دعاة الإسلام! يا علماء الإسلام! يا أبطال الإسلام! إلى الكتاب والسنة، وقد أقولها وأنا أعرف أن من تقصيري وعجزي أنني قد لا أبلغ هذا المستوى ولكن بجهدي وطاقتي، لأن في الناس من يقول: أنا أدعو إلى الكتاب والسنة، الخوارج يقولون: نحن ندعو إلى الكتاب والسنة، ويقولون: نحن الطائفة المنصورة، ونحن أهل السنة والجماعة، ونحن الناجون.

حتى يقول الزمخشري المعتزلي وهو يسب أهل السنة فيقول:

لجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعين موكفة

كذب البعيد، نسأل الله أن يتولاه، ولا ندعو عليه لأن له حسنات، ولو أنه مبتدع.

أنا أقول: إن هذه الكلمة تقبل، لكن المقصد أن نطبق بالفعال والمقال، وأن نعمل شيئاً ليدل على أننا نريد الكتاب والسنة، ما كل من قال مقالاً صدق.

أيها الناس! إن على كل لسان قائل ما قال شاهد من عمله، فالله الله لا يظهر عمله مكذباً لقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤].

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>