للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الإيثار بالقرب]

السؤال

ذكرتم أن من علامات الأخوة الإيثار، فهل يجوز الإيثار بالحسنات وبالسنن للإخوان، فمثلاً: إذا جاء إنسان يريد أن يؤذن فيؤثر أخاه في ذلك، وما مدى صحة الحديث الذي ذكرتموه: {سلمان منا آل البيت}؟

الجواب

أولاً أما حديث: {سلمان منا آل البيت} ففيه ضعف، وأما الإيثار بالحسنات، فهو مبحث تعرض له ابن القيم في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب، كمن يؤثر أخاه المسلم بالصف الأول ويعود إلى الثاني ويترك مكانه له، فمن يأتي ليؤذن فيرى أخاه المسلم فيقدمه للأذان، وأهل العلم على رأيين: منهم من قال: لا يؤثر بالقرب لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:٢٦] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:١٣٣] والمسارعة تقتضي ألا تؤثر، وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:١٤٨] والاستباق أن تكون الأول في كل شيء.

من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول

فكيف تترك الأول لتخرج من هذه النصوص ومن فضلها.

وقالت طائفة: الإيثار بالقرب وارد، وقد آثر كثير من الصحابة بقربهم وبأعمالهم، مثلما فعلت عائشة عندما قتل عمر رضي الله عنه فسألها أن يدفن في قبرها الذي أعدته لنفسها بجانب أبي بكر والرسول صلى الله عليه وسلم ثم قالت: لأوترن به اليوم على نفسي.

وكان بعض السلف يترك الأذان -كما في بعض الغزوات مثل القادسية- ولو أنهم أرادوا أن يقتتلوا عليه، لكنهم يتركونه لبعض الأخيار.

وقد آثر عمر أبا بكر في أكثر من موقف: بالكلام والحديث، بالدعوة، بالصدقة، بالنفع، وكثير من ذلك.

والصحيح أنه لا بأس بالإيثار في القرب التي تقبل الإيثار، مثل أن ترى من يستحق أن تؤثر له، ترى عالماً جليلاً دخل فلك أن تتأخر من الصف الأول إلى الثاني وتترك له مكانك، فيأجرك الله على ذلك، ترى شيخاً كبيراً مسناً تقدم يريد أن يؤذن وأراد أن يحتسب فتقدمه للأذان.

لكن أهل المعاصي والفسقة لا يؤثرون، تجد رجلاً فاجراً فتقول: يا بركة الزمن، يا درة الدهر تعال وأذن بالناس! تتحدث في المجلس وتورد عليهم قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل عليك ضال مضل مخرف فتقول: يا أيها العلامة الجهبذ، يا شيخ الإسلام خذ الميكرفون وتكلم! هذا من الإيثار الخطأ، فلابد أن يكون الإيثار في القربات التي تقبل الإيثار، وأن يكون لمن يستحق الإيثار، وأما الذين هم متلبسون بالمعاصي أو مشتهرون بها، أو ضلال فسقة؛ فلا يؤثرون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>