للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الكسل في أداء الطاعة]

المنافق كسلان؛ إذا قام إلى الصلاة فهو من أكسل الناس، لكن تعال به في حفلة أو عرض موسيقي، أو ترف أو في شيء فيه تبذل وتبجح فإنك تجده من أقوى الناس، قوة جسم لكن خوار قلب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:١٤٢].

قال بعض أهل العلم: عجباً، إنهم يصلون! ولكن الله ذمهم بالكسل، لأن الذي يؤدي الإسلام وقلبه بارد، فيصلي مع الناس وقلبه بارد، ويسمع الأذان فيتحرى حتى تقرب الإقامة، فإذا دنت الإقامة قام فتوضأ كأن اللعنة معقودة على رأسه، ثم يخرج من الوضوء فيمسح يديه ورجليه وعينيه وأذنيه، ثم يذهب إلى المسجد كأنه يقاد بسوار من نار، ثم يدخل المسجد فيأتي في الصف الأخير، ويركع ويسجد، لا يدري من الإمام وماذا قرأ، وما هي الصلاة، ثم يسلم ويخرج أول الناس، فهو آخر الناس دخولاً وأولهم خروجاً، بارد القلب، جذوته لا جذوة، وتوقده لا توقد، فالله المستعان!

(وإذا قاموا إلى الصلاة) لم يقل لم يصلوا؛ لأنهم إذا لم يصلوا كانوا كفاراً، لكن: {إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:١٤٢] والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت أن من المنافقين من يصلي، ولذلك لامهم، قال: {بيننا وبينهم صلاة العشاء وصلاة الفجر لا يستطيعونها} فهم يصلون الظهر والعصر والمغرب، لكن صلاة الفجر والعشاء لا يستطيعون، فهذه دونها خرط القتاد، فهذه التي تبين المستويات؛ لأنها في وقت شدة: {وإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:١٤٢] مفهوم المخالفة: أن المؤمن يقوم بقوة وحرارة: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:١٢] لأن هذا الدين دين حياة وقوة وصمود.

فـ عمر رضي الله عنه وأرضاه سيد النساك، وهو عابد من أكبر العباد، عيناه تذرفان الدموع صباح مساء، وهو الذي يعرف النسك، وعلى ذكر عمر نذكر عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد رأت شبيبة من الناس، والشباب في وقت الحدة يأتون بأشياء قد تخرج عن السنة، ففي فترة الهداية يزيدون حتى يخرج بعضهم عن السنة، فأتوا يتكاوسون برءوسهم كأنهم ضأن أصيبت بمطر في ليل شات، يتساوقون جوعاً وضموراً، وأنزلوا رءوسهم على صدورهم، قالت عائشة: [[من هؤلاء؟ قالوا: نساك -يعني عباد- قالت: ما لهم يمشون هكذا؟ قالوا: من النسك -من كثرة العبادة كسروا رءوسهم- قالت: والله لقد كان عمر أخشى لله منهم، وكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع]] لأنه دين أصالة وعمق.

عن الأسود بن يزيد في صحيح مسلم {قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: يا أم المؤمنين! كيف كان صلى الله عليه وسلم يقوم من صلاة الليل؟} متى يقوم لصلاة الليل، لم يسأل عن صلاة الفجر، ونحن الآن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه نتمادح بمن يحضر صلاة الفجر منا، حتى من الدعاة، وإذا حضر صلاة الفجر في جماعة فكأنه من العشرة المبشرين بالجنة، أو ممن بايع رسوله تحت الشجرة، وهذا لضعف مستوى الإيمان، أما أولئك فما كانوا يسألون عن صلاة الفجر، فهي من المسلمات، حتى المنافق في عهدهم يعاب عليه عدم حضور الفجر، لكنهم يسألون عن قيام الليل.

طاوس بن كيسان اليمني أحد العلماء الجهابذة المحدثين، طرق على صديقه الباب وقت السحر، فخرج صاحبه من البيت فقال: مالك؟ أحدث شيء؟ قال: أتيت أزورك!! قال: قبل الفجر، أنا كنت نائماً، قال: أتنام في هذه الساعة؟! والله! ما ظننت أن مسلماً ينام في ساعة السحر، لأنه صح في الحديث: {أن الله ينزل في الثلث الأخير إلى الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟}

فـ الأسود بن يزيد يقول لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {متى يقوم عليه الصلاة والسلام لقيام الليل؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ وثب، قال الأسود:

وعلمت ما معنى وثب} لم تقل: ولا جلس، ولا عرك عينيه، وإنما وثب كالأسد، لأن هذا معناه إعلان التحدي على النفس، والقوة على الشهوات، والأخذ لأمر الله عز وجل.

تقول عائشة عنه صلى الله عليه وسلم، وأحلى ذكريات عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حياتها، قوامتها، أشرق الذكريات في عمرها مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم -على سبيل الاستطراد- رجل كمال، في البيت والمجتمع، والفتيا وعلى المنبر، وفي المعركة وفي الإدارة، والأدب والسياسة، فكل شيء أخذ له وقتاً، وأعطى لها وقتاً من حياته صلى الله عليه وسلم.

فتقول: {كان يقطع معنا اللحم، ويكون في مهنتنا، فإذا سمع الأذان قام كأننا لا نعرفه، ولا يعرفنا} وهذا هو علامة الإيمان والصدق، فليس عندنا أمور معنوية نتخيل بها الناس، يقول الإنسان: الله أعلم بقلبي أنني أحب الله ورسوله، لكن أعماله وأظفاره ومخالبه في الإسلام.

الضب والحية: دخل الضب للحية في جحرها، فلسعته بسمها فبقي مريضاً عند باب جحرها، فقامت تزوره، وتقول: يا أبا ثعالة! من جرحك؟ قال: أنت أعرف بمن جرحني.

فتجد بعض الناس يقول: الله يعلم أنني أحبه وأحب رسوله، وهو لا يشهد الصلاة مع الناس، ولا يتحمس لقضايا الإسلام، ولا ينكر المنكر، ولا يكثر من الدعاء، ولا يقدم خيراً لدين الله عز وجل، فأين الإسلام؟ أإسلام بالقلب؟! إن هذا لا ينفع: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥] إذا رآك المؤمنون صالحاً فأنت صالح: {أنتم شهداء الله في أرضه} {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣].

{مُرَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بجنازتين، فأثنوا على الأولى خيراً -مدحوه بالقيام، والصيام، والصلاة، والصدق، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والوفاء -قال: وجبت، وجبت، وجبت- فهذا ختم منه عليه الصلاة والسلام يطبع به على أوراق الناس يقول: وجبت له الجنة -وأثنوا على الآخر شراً- فاجر، قاطع للصلوات، عربيد، لا يعرف الله، لاه، قرءانه الغناء، وكتابه وصحيحه المجلة الخليعة، وغيبته وعرضه وفاكهته أعراض المؤمنين -قال عليه الصلاة والسلام: وجبت، وجبت، وجبت- وهذا خاتم يطبع على أوراقه إلى النار، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟ وما وجبت؟ قال: الأولى أثنيتم على صاحبها خيراً، فقلت: وجبت له الجنة، والثانية: أثنيتم على صاحبها شراً، فقلت: وجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه}.

وعند الترمذي بسند فيه نظر: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} فنحن شهداء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على عباده، والله عز وجل إذا رأى العبد منيباً مخلصاً نشر له القبول، وإذا رآه غير ذلك نشر له السمعة والغضب واللعنة في الناس، فهذه قواصم الظهر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>