للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عقيدة أهل السنة والجماعة فيما حدث بين علي ومعاوية]

لقي أبو بكرة الأحنف بن قيس قال: أين تذهب؟

قال: أذهب لأنصر هذا الرجل -وهو علي بن أبي طالب - وكان يقاتل معاوية، ومعتقد أهل السنة والجماعة في الحروب التي وقعت بين الصحابة، كالتي وقعت بين علي ومعاوية: أن نترضى عن الجميع، وأن نعتذر للجميع, وألا نخوض فيما شجر بينهم كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].

هذا معتقد أهل السنة، ونعتقد أن علي بن أبي طالب هو المصيب، وأنه اجتهد فأصاب فله أجران وأن معاوية اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وأن فئة معاوية، فئة باغية كما سماها صلى الله عليه وسلم في الحديث: فقال لـ عمار: {تقتلك الفئة الباغية} يعني فئة معاوية ومن معه؟

رضي الله عن الجميع.

قيل لـ عامر الشعبي: سبحان الله! يأتي علي بن أبي طالب بجيش كثيف، ومعاوية بجيش كثيف وهم صحابة، ثم لا يفر بعضهم من بعض!!! فماذا أجاب؟

قال: أهل الجنة التقوا فاستحا بعضهم من بعض، ونسأل الله أن يكونوا ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:١٣٤].

فخرج الأحنف فلقيه أبو بكرة، قال: إلى أين؟

قال: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار}.

أولاً: ما هي فائدة التعريف هنا وتسمية السيف وهذه الصفة؟

فهل يشترط أن يكون اللقاء بالسيف، إذا التقى المسلم والمسلم بالمسدسات أو بالخناجر أو بالسكاكين أو بالرشاشات، هل يدخل عليهم التثريب، أم يشترط أن يكون اللقاء بالسيف؟ والجواب أنه لا يشترط أن يكون اللقاء بالسيف؛ لأن هذا قيد أغلبي كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:٢٣] ولأن هذا شيء غالب، فلو التقوا بغير السيفين لكانت المذمة واردة والإثم وارداً، ويكون الاثنان في النار نسأل الله العافية {إذا التقى المسلمان بسيفيهما} لإرادة القتال، أما إذا كان مع هذا سيف ليسلم عليه فلا نقول: هما في النار فهذه ظاهرية بحتة؛ وهناك من أقوال الظاهرية ما يضحك اللبيب، منهم من يقول: من يفعل أكثر من الذرة، فما عليه شيء؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨] وضحكوا على بعض الظاهرية، قالوا: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الوالدين: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:٢٣] فمن ضرب والديه هل يشمله التأنيب؟ لأن الضرب لم يذكر في الآية وهو من قياس الأولى عند الجمهور، ولكن يلزم الظاهرية أن يقولوا: لا يلزمه شيء إذا ضرب والديه، لكن لا يقل لهما: أف.

{إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} إذا أراد مقاتلته، وإهدار دمه، فالقاتل والمقتول في النار لماذا؟ لأن دم المسلم معصوم ولقوله صلى الله عليه وسلم: {ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} ففي غير هذه الثلاث يكون دم المسلم معصوماًُ، فيقول صلى الله عليه وسلم: {في النار} ما معنى كلمة النار؟ هل يدخل النار خالداً مخلداً أم لا؟

إن استحل قتل المسلم، ورأى أن الله لم يحرم قتل المسلم، ورأى أنه يحل له قتل المسلم، فهو خالد مخلد في النار.

وإذا قاتله ويعرف التحريم، فهو من أهل الكبائر، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر، أنهم قد يدخلوا النار، ولكنهم لا يخلدون فيها، ولا يخرجون من الإسلام، ويسمون فسقة، لكن لا يزول عنهم اسم الإسلام، والله أعلم.

وفيه كذلك أن المسلم إذا كان حريصاً على قتل صاحبه ثم قتله الآخر فهو معه في النار، وأن النية والجزم على العمل، ومزاولة الأسباب، تدخل بصاحبها مداخل أهل الأعمال الذين عملوا بهذا العمل.

{إذا التقى المسلمان بسيفيها فالقاتل والمقتول في النار} يعني من الاثنين، هذا حديث أبي بكرة رضي الله عنه وأرضاه، وليس فيه قضايا طويلة ولذلك، لم يطل أهل العلم الكلام عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>