للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حقيقة كتمان العلم]

السؤال

ما المقصود بكتمان العلم؟ وهل صحيح أن كتمان العلم، أن يسألك أحد فلا تجيب وأنت تعرف الإجابة، أو ترى الباطل ولا تمنع؟

الجواب

كتمان العلم: هو عدم إظهاره للناس، هذا أمر, وعدم إفتاء المفتي عند الحاجة إلى الفتوى مع تخلف المانع، بألا يخشى على نفسه ضرراً أعظم من فائدة أو مصلحة الفتوى، لأنه ما كل مسألة يلزمك أن تجيب فيها، بعض الإجابات قد تذهب برأسك، فقال أهل العلم في هذا: أجدر لك أن تعتذر، نص على ذلك الإمام أحمد في كتاب الورع، لك أن تعتذر عن مسألة, لأنك إذا أجبت فيها ذهبت برأسك، فما كل إنسان ينبغي له أن يجيب، ثم إلى الحاجة، أن ترى حاجة السائل لهذا العلم، بألا ترى أنه يريد أن يستدل ببعض الأمور, أو يتعمق معك بعض التعمق، فيريد منك أن تجيبه على حسب هواه، فهذا متنطع لا ينبغي أن تجيبه، كأن يسألك فإذا رأى عندك تشديداً ذهب إلى فلان, وقال: ما حكم هذه وهذه؟ فشدد عليه فذهب إلى فلان فإذا رخص له، أخذ فتواه وذهب إلى أهله وقال: فتح الله على الشيخ فلان، أما هو فقد آتاه الله علم الأولين والآخرين، أما أولئك فما عندهم من العلم شيء، وذلك لأنه وافق مراده فهنالك أن تمنع، وكتمان العلم -بارك الله فيكم- قسمان:

القسم الأول: ألا تظهره للناس وألا تنشره، ولا تعلمه، فهذا من الكتمان، وذلك فعل بني إسرائيل، ينطوي الإنسان بعد أن يتعلم بدون خوف أو ضرر, ويقول: لا أنشر علماً ولا أتدخل بالناس، نفسي نفسي أنشغل بها ولا أنشغل بالناس.

والقسم الآخر: كتمان السائل أو المستفيد حينما يعرض لك:

وواجب طالب العلم: ألا يتكلم بجهل, وألا يكتم علماً، فإذا سئلت عن مسألة فلا تقل: لا أدري، فإن بعض الورع سفه وقلة حياء، كأن يسألك إنسان بدوي لا يعرف شيئاً يقول: أريد أن تتوضأ لي، فيحملك الورع, وتقول: الله ورسوله أعلم، أحمي سمعي وبصري، اذهب إلى العلماء فاسألهم، فإن الإمام مالك سئل في خمسين مسألة ما أجاب إلا في ثمان مسائل، فأنا أقول: لا أدري.

هذا من السخف والسفه، فيجب عليك أن تجيبه لأنك عرفت المسألة.

والأمر الثاني: أن يأتي إليك سائل طلق زوجته في مجلس وأنت لا تعرف كلام أهل العلم، واختلافات الحديث، وبعض المسائل قد تصعب عليك، فتخشى من أهل الحارة أو من القبيلة أن يقولوا: تخرج من كلية الشريعة وهو لا يعرف شيئاً فتقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، هذه المسألة الصحيح فيها كذا وكذا، لما رواه ابن ماجة من حديث فلان، وما روى ابن ماجة حديثاً ولا أنت تعرف الجواب، فتتعمد الجهل، فهذا يلجم بلجام من نار, وذاك يلجم بلجام من نار، إذاً فالواجب أن نفتي فيما تعلمنا ولا يحملنا الورع أن نهز رءوسنا ونقول: لا ندري، فبعض المسائل يعرفها حتى العوام, وأما بعض المسائل فنقول: لا ندري، ونحن صادقون، ومن وفقه الله سدده وثبته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>