للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حفظ القرآن]

السؤال

ذكرت أن أفضل العلم تعلم القرآن وحفظه، فنرجو منك أن تعطينا بعض الإرشادات لتساعدنا على حفظ القرآن؟

الجواب

حفظ القرآن من أكبر القضايا في حياة المسلم، ولذلك إذا سمعت بعض الناس يقول: ليست القضية قضية حفظ قرآن؛ فاعرف أنه إبليس, أما بعضهم فقد يجلس معك المجالس الطويلة في غير مثمر فكر، مورد، إنشاء، تعبير، فإذا قلت: دعنا نحفظ آيتين، أو نتدبر آيات، قال: لا.

القضية ليست قضية حفظ قرآن.

إذاً قضية جهل، وقضية تضييع وقت، أما حفظ القرآن فهو من أكبر القضايا, ولحفظه وسائل نسأل الله أن يعيننا وإياكم على تنفيذها لنحفظ كتابه:

أولها: تقوى الله عز وجل: فإن من اتقى الله علمه وفهمه وحفظه.

ثانيها: كثرة الاستغفار: يقول ابن تيمية: إنها لتعجم عليَّ المسألة فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر فيفتحها الله عليَّ.

الثالثة: التقليل من المحفوظ: قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: يا طالب العلم! قلل وداوم, فإن التقليل والمداومة أصل عظيم، وبعض الطلبة أو الإخوة، أخبروني أن أستاذاً قال لهم قبل أربع سنوات أو خمس سنوات: احفظوا كل يوم آية فتضاحكوا في الفصل، وقالوا: نحفظ آية فقط! الآية قليل، قالوا: والله لقد مرت بنا فترة حسبنا الأيام التي مرت وما حفظنا كل يوم آية، لو حفظنا كل يوم آية لختمنا القرآن جميعاً.

يقول: أحفظ سورة الكهف في يوم، فيحفظ ويجهد نفسه في اليوم الأول ثم يأتي اليوم الثاني وقد انقطعت حباله، وتقطعت أوصاله, ونسي فريقه, وتكسرت أضلاعه، فما يستطيع أن يعود إلى المصحف مرة ثانية، لأنه مل وكل وفتر، وفر وهر، فالواجب التقليل والمداومة، هذا أصل عظيم يكتب بماء الذهب، قال: الجاحظ في كتاب الحيوان: قلل من المحفوظ وداوم، آية واحدة، آيتين, ثلاث آيات.

الأمر الثالث: إذا قرأت الآية أو الآيتين أن تكررها حتى تكون على لسانك كاسمك الذي سماك به أبوك، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨] تكرر هذه الآية إذا أردت أن تحفظها خمسين مرة، ما تكرر أربع مرات، بعض الإخوة أخبرني أنه حفظ وكان يكرر أربع مرات، يقول ابن الجوزي: ما حفظت مقطعاً إلا كررته سبعين مرة، وقال أبو إسحاق الشيرازي صاحب المهذب: كنت إذا أردت أن أحفظ أسطراً من الدرس أكرره مائة مرة, وإذا حفظت قياساً كررته ألف مرة، وعودوا إلى كتاب المجموع ترجمة أبي إسحاق أو إلى سير أعلام النبلاء.

فالتكرار أن تكرر المقطع ولو كنت حافظاً، كرره حتى تمل، ولذلك سمعت جارية سيدها يكرر مقطعاً يقول: قال أهل العلم وهي قواعد أربع، من قواعد القفال المروزي , فأخذت الجارية تقول: يا هذا! ما حفظت، أنا حفظت من أول كلمة، قال لها: بيني وبينك الأيام، وبعد شهر قال: ماذا يقول القفال، قالت: ما أدري، قال: يقول أهل العلم وهي قواعد أربع إلخ؛ لأنه كرر كثيراً وهي اكتفت بأول مرة.

والسادس: أن تقرأه في الفرائض والنوافل:

فتقرأه إذا صليت بالناس، فإذا قرأت به في الصلاة فاعلم أنك قد حفظت وفهمت.

والأمر السادس: أن تفهم معنى الآية:

قال ابن تيمية: وفهم معنى الآية مُعينٌ على حفظها وعلى تيقنها في القلب، وهذا موجود، بعض العوام يردد الآيات: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} [الأحزاب:٢٥] أو مثلاً قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً} [الأحزاب:٩] ما يدري ما هي الريح، وما هي الجنود, وما هم الأحزاب, يظن أن الأحزاب واد في الجنة، أو نهر فيها، فإذا ضيع معنى الأحزاب ما درى، لكن الذي يفهم المعنى، يعرف الأحزاب وملابسات القصة وأولها وآخرها، ولذلك سمع أعرابي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] قرأها أحد البله (إن الله عزيز حكيم) قال الأعرابي: امرأته طالق ثلاث، ما يقولها الله، قال: لماذا؟ قال الأعرابي: ما يقول الله عزيز حكيم بعد غفران الذنب؟ قال: دعني أنظر في المصحف فوجد: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] فعرف أنه صحيح، ولذلك إذا فهم طالب العلم المعنى حفظ اللفظ، ومن ذلك أنه إذا ذكر الله آيات النهار يقول: (لعلهم يبصرون) لأن البصر في النهار أقوى، وإذا ذكر الله الليل يقول: (لعلهم يسمعون) فآلة السمع في الليل أقوى، وإذا ذكر الله الحدود وتنفيذ العقوبات والجلد والفرش والضرب، ذكر (عزيز حكيم) وإذا ذكر الرحمة واللطف، ذكر (غفور رحيم).

فالمعنى يعين على ذلك (الربط والشبك) ويسمى عند الشناقطة التخييل، أن تشبك المقطع في الآخر، لا تحفظ ثلاث آيات اليوم، ثم تأتي في اليوم الثاني تفصل، لكن اشبك هذه الآية لتبقى محفوظة في ذهنك.

وقال البخاري: مما يساعد على الحفظ إدامة النظر في المصحف.

أيضاً: أن يكون لك مصحف واحد، لا تقرأ في العشاء في مصحف وفي المغرب في طبعة أخرى، فتأتي تجمع من هنا ومن هنا، تتصور الآية في اليمين, ومرة في الخلف, ومرة أمامك.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>