للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خشية الله عند السلف]

الكلمة الخامسة للأخ الداعية خالد بن عبد الله العَسِيري فليتفضل:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقائد المجاهدين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أمَّا بَعْد:

أيها الأخيار! يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عنوان هذه الكلمة (خشية الله عند السلف).

نعم.

سوف نعيش في هذه الدقائق لنأخذ طرفاً من أحوالهم، وشيئاً من أخبارهم تجاه هذا الموضوع المهم.

أيها الأبرار! سوف نقضي بعضاً من الوقت مع ذلكم الجيل، جيل البطولة والتضحية، وقد صدق الشاعر حين قال عنهم:

عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه

نعم -أيها الإخوة- أين الأندلس؟ أين فلسطين؟ وأين أفغانستان؟ لقد ضيعنا تلك البلاد يوم أن ضيعنا لا إله إلا الله، والمقصود من هذه الكلمة يا عباد الله! أن نعيش بعض الوقت مع أولئك النفر؛ عل الله أن يوقظ القلوب من غفلتها، والأنفس من سباتها.

يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطان من البكاء، وثبت في مستدرك الحاكم أنه لما حج وضع شفتيه على الحجر الأسود ثم قبله وبدأ يبكي، وكان يصلي بالمسلمين ذات مرة صلاة العشاء فقرأ بهم سورة الطور فلما بلغ هذه الآية: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:٧] سقط مغشياً عليه وأصبح يعاد في بيته شهراً كاملاً رضي الله عنه وأرضاه، وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر؛ بكى حتى تخضل لحيته من البكاء، وكان يقول: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه} وسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعده أعظم} وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلى صلاة الفجر وجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وبدأ يبكي ويقول: [[لقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع، والله، لكأن القوم باتوا غافلين]].

وهذا موقف آخر لصحابي جليل هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه [[أُتى له بطعام وكان صائماً فقال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، فلم نجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غُطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت بها رجلاه بدا رأسه ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وأخشى أن تكون حسناتنا عجلت لنا]] ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام الله أكبر! قلوب عرفت الله عز وجل.

وثبت في ترجمة سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: [[أضحكني ثلاثه: غافل ولا يغفل عنه، ومؤمل دنيا والموت يطلبه، وضاحك ملء فيه ولا يعلم أساخط عليه رب العالمين أم راض عنه، وثلاث أبكينني: فراق الأحبة محمداً وصحبه، وَهَولُ المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل]].

وموقف من مواقف الخشية لله عز وجل مع خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، جاء عنه أنه بكى وهو غلام صغير فجاءت إليه أمه فقالت: ما يبكيك؟ قال: [[ذكرت الموت]] فبكت أمه.

وعن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك قال: بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة فبكى أهل الدار جميعاً، فلما تجلى عنهم البكاء جاءت زوجته فاطمة وقالت له: بأبي أنت يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ قال: [[ذكرت يا فاطمة! منصرف القوم بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير]].

أسأل الله أن يجمعنا وإياكم بهم في دار الكرامة مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشيخ عائض:

أثابكم الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>