للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من بر الوالدين: الدعاء لهما]

أولها: أن تدعو الله لهما في أدبار الصلوات:

الدعاء العظيم، يوم أن ترفع يديك تدعو لوالديك في أدبار الصلوات وفي السجود، وتقول: (رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) (اللهم اغفر لوالدي، اللهم ارحمهما، اللهم تجاوز عنهما) يوم تقف في ظلام الليل لتدعو لأفضل مخلوقين حيين قدما لك أحسن مكرمة في الحياة الدنيا، وهو وجودك، ولذلك فليس في الإسلام ولا في الشريعة أن يُقْتَصَّ للولد من الوالد، ولو قَتَل الوالد ابنه فلا يقتل به الوالد؛ لأنه سبب لوجوده فلا يكون الولد سبباً في إعدامه؛ بل لا يجوز للولد أن يشكو أباه إلا في الميراث, ومهما تكلم عليه، أو عزَّره، أو ضربه، أو أدبه؛ فلا يجوز أن يرفع في حقه شكوى، ولا أن تسمع شكواه؛ لأنه مهما فعل فلن يجاوز ذلك خير، ولا نفع، ولا معروف أبيه و {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠].

ويصف الرسول عليه الصلاة والسلام الرحم ويقول -كما في الصحيحين -: {لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش، وقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلكِ! وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى يا رب! قال: فذلك لكِ}.

قال أبو هريرة: [[اقرأوا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * =٦٠٠٤٥٦٧>أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٢ - ٢٣]]].

ومن الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم من عق والديه، وقطعهما في الحياة حتى بكيا من عقوقه، فذلك نسي الله فأنساه نفسه، فيأتي يوم القيامة مبتور الحجة، مجذوم الإرادة، لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

ومن حقوق الوالدين: أن يطاعا في أي أمر أمرا به في طاعة الله، وأما إذا أمرا بالمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة، خال رسول الله عليه الصلاة والسلام، لما أسلم وشهد أن لا إله إلا الله، قالت أمه: لا آكل ولا أشرب حتى تعود من الإسلام إلى الشرك، قال: يا أماه! كلي واشربي.

قالت: قد سمعتَ، وحَلَفَتْ بلاتِها وعزَّاها ألا تأكل ولا تشرب حتى يعود، فحاورها وراودها ونازلها فرفضت، ثم قال: يا أماه! والذي نفسي بيده لو كان لك ألف نفس فخرجت نفساً نفساً على أن أعود عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين فلن أعود، فكلي أو اتركي، فأكلت.

فأنزل الله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:١٤ - ١٥].

إذاً: فلا طاعة لهما في معصية الله.

قال الحسن: [[مَن أمرته أمه أن يصلي العشاء في البيت ويترك الجماعة فليعصها وليذهب إلى المسجد]].

إذاً لا طاعة للوالد في المعصية؛ لأنه قد وجد من بعض الآباء من يجبر أبناءه على المعصية، ويرفض أن يستقيم ابنه، فإن قصر الابن ثوبه على السنة قال: هذا لا يوافق، هذا ليس من زينا، هذا من التزمت، هذا من التطرف، فيرفض ابنه ومسلك ابنه، وهذا خطأ.

فطاعة الوالد في معصية الله عز وجل ليست واردة، لكن يطاع في طاعة الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>