للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تخاذل المنافقين]

وأتى المنافقون الخونة -ثمانون منافقاً أو أكثر- الذين تعطلهم شهواتهم وأراضيهم وبطونهم وقدورهم عن الجهاد في سبيل الله، والتضحية لمنهج الله، وعن الحضور لصلاة الفجر، والتخلف عن صلاة الجماعة، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى عنهم: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح:١١].

جاءوا يستأذنون، يقول أحدهم: يا رسول الله! زوجتي مريضة.

قال: معذور! وهذه أعذار تافهة، لكن عذرهم صلى الله عليه وسلم على الظاهر.

وقال الثاني: طفلي مريض! قال: معذور.

وقال الثالث: رأسي يؤلمني! قال: معذور.

وقال الرابع: أنا لا أستطيع الحرب، قال: معذور.

قال الخامس: أنا رجل إذا رأيت بنات الروم أفتتن، قال: معذور.

قال الله عز وجل من فوق سبع سموات: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:٤٣] أما تعلم أنهم خونة؟

أما تعلم أنهم ما صدقوا في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]؟

أما تعلم أنهم ما صدقوا في لا إله إلا الله؟

الآن يزعم أن عدد العالم الإسلامي مليار، لكن أين المليار أمام إسرائيل؟!

عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدهم أصفارا

من كل مفتونٍ على قيثارةٍ كلٌ رأيت بفنه بيطارا

أو كاذبٍ خدع الشعوب بدجله عاش السنين بعمره ثرثارا

أو عالم لو مالقوه بدرهمٍ رد النصوص وكذَّب الأخبارا

أذن لهم صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة:

منهم كعب بن مالك؛ يروي معاناته، وأنا أرويها لكم هذه الليلة، وهي رواية أبكت أهل العلم، وأبكت الفضلاء على مر التاريخ.

إنها حسرة، وإنها دمعة أن يتخلف الإنسان عن الصلاة، أو عن الجهاد، أو عن فعل الخير.

تخلف رضي الله عنه ولم يكن له عذر، فقد ارتحل صلى الله عليه وسلم، وقال كعب بن مالك الشاعر -وهو من الأنصار الصادقين لكن أراد الله أن يتخلف لحكمة أرادها- والله ما كان لي من عذر، وقد قلت: سوف أرتحل غداً وألحق بالرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ارتحل عليه الصلاة والسلام حين طابت الثمار في المدينة، وحين أصبح البلح يتدلى من نخل المدينة، وكان حر الجزيرة يلتهب، فالصحراء تخرج قذائف كالبراكين، والشمس تصهر الناس، ولكن يقول الله عزوجل لهؤلاء الخونة، المارقين المنافقين: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:٨١] يقول بعضهم لبعض: انتظروا لا تخرجوا في الحر، الحر مؤذي، قال الله عزوجل: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:٨١] بالله يا مسلمون! يا أخيار! يا أحفاد محمد عليه الصلاة والسلام! أي حر أشد الجزيرة العربية في الظهيرة أم حر جهنم:

تفر من الهجير وتتقيه فهلاَّ من جهنم قد فررت

وتشفق للمصِّر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمت

مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعت

<<  <  ج:
ص:  >  >>