للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دور المنافقين في غزوة تبوك]

يأتي المنافقون وهم في كل زمان موجودون، إن سكنت قرية فمعك الأعداء، وإن سكنت مدينة جعل الله لك أعداء:

ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل

والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:٣١] وهو الصراع العالمي: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:٢٥١].

في النادي مصارعة بين الحق والباطل، وفي الملعب حرب بين الحق والباطل، وفي الحارة، والحديقة، والشاطئ، والساحة، والجامعة، والمدرسة، وحول المسجد، وفي كل مكان صراع بين الحق والباطل، فقد أراد الله أن يتصارع الحق والباطل، وأراد الله معتركاً عالمياً بين (لا إله إلا الله) (ولا إله والحياة مادة) مثل عراك النور والظلمة، والحلو والحامض، والحار والبارد.

جلس المنافقون يتشفون في محمد صلى الله عليه وسلم، يسبون ويسخرون مثل من يسخر الآن بالأخيار؛ يصفونهم بالتطرف وبالفضوليين وبالأصوليين وبالمتزمتين، وغيرها من التهم التي لا توجه إلا لليهود والنصارى.

فقالوا: ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء؛ يقصدون الصحابة أنهم جبناء ويأكلون كثيراً.

وكان المنافقون مندسين في الصف، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وإنما يعلمه الله الذي يعلم السر وأخفى.

نزل جبريل عليه السلام يقول: في الصف دخلاء وعملاء وخونة، استدعهم الآن واسألهم ماذا قالوا البارحة، فاستدعاهم صلى الله عليه وسلم فكانوا يتعلقون بناقته، ويقولون: يا رسول الله! إنما كنا نمزح البارحة، ونخوض ونلعب، ونقطع الطريق، ما أردنا الإساءة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبلله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦] فالمسألة ليست مسألة استهزاء باللحى والثياب القصيرة والخطب والوعاظ والعلماء، المسألة مسألة هجوم ساحق على الإسلام وعلى الدين، وعلى شباب الصحوة.

إذاً: الحرب شعواء منذ القدم، فالذي يحاربني ويحاربك الآن قد حارب محمداً عليه الصلاة والسلام، فوالله لقد نجح محمد عليه الصلاة والسلام في حرب الإغراء والابتلاء؛ والوسائل التي يجربها دائماً أهل الباطل هي نفسها، جربوا معه الدراهم والدنانير فأبى عليهم، قالوا له: نزوجك أجمل فتاة؟ قال: لا.

قالوا: نملكك على العرب؟ قال: لا.

قالوا: نجمع لك مالاً حتى تكون أغنى الناس؟ قال: لا.

قالوا: أتترك مبادئك وعقيدتك؟ قال: {والذي نفسي بيده! لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه} فلله درك، هكذا فلتكن التضحيات والشجاعة، وجربوا معه الإيذاء.

سجد عند الكعبة فأتوا بسلى الناقة فوضعوه على رأسه، فقام يبعد الدم عنه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.

أخذوا بناته يضربونهن في وجوههن أمامه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.

أخرجوه من مكة وحاصروه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.

طردوه إلى الطائف فطرده أهل الطائف وأدموا قدميه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.

يقول له ملك الجبال، أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ -جبلي مكة -فيقول: {إني أسأل من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} هذا الذي نجح فيه صلى الله عليه وسلم.

هؤلاء استهزءوا فكفرهم الله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].

<<  <  ج:
ص:  >  >>