للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معنى قوله تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)

ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة:٢٠].

يقول: هذا لمعان الدين وما يرون من قوة الإسلام يكاد يخطف ما عندهم من يقين، لأن المنافق يغيظه اجتماع الإسلام وأهله، ولذلك أمرنا يوم الجمعة أن نجتمع في مصلى واحد.

وأمرنا أن نقلل من المساجد في المدينة الواحدة ليكثر الجمع، وأمرنا أن نلبس الملابس الجميلة لنغيظ المنافقين.

وأمرنا في الأعياد أن نجتمع لنكون قوة نبدي التضامن والتكاتف والقوة، فإذا رآنا المنافق، فكأنما أصابه برق في عينيه فينغمس ويغتاظ، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {ما رئي الشيطان أدحض ولا أبعد ولا أخسأ من يوم عرفة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة:٢٠] قال أهل العلم: كلما قالوا: لا إله إلا الله حقنوا دماءهم بها.

وقيل: كلما حضروا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أتاهم شيء من الهدى، ولكنه ينتهي.

وقيل: يأتيهم نوبات من سماع الإسلام، ثم تنتهي هذه النوبات، فتأتيهم الظلمة ويعود لهم الكفر والنفاق {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:٢٠] توقفوا حائرين.

ثم انطفا نور المنافقينا فوقفوا إذْ ذاك حائرينا

لأنهم بالكفر ما استضاءوا فكذبوا فذا لهم جزاء

وفي الحديث: {إن المنافق يأتي يوم القيامة فيبدي الله له نوراً، ويضاء له، فإذا أصبح على الصراط انطفأ النور، فيتوقف، ثم يضرب على وجهه في النار} له نور، فلما توسط الصراط انتهى النور، فهذا حاله في الدنيا والآخرة.

(كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) [البقرة:٢٠] قالوا: أفقدهم إياها، وهذا هو الصحيح.

(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:٢٠] هذا عموم لا خصوص له، فكل ما يقبل قدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فهو قدير سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه، وأظن أن القول: مما يقبل القدرة للمعتزلة ليست لـ أهل السنة، فأنا أقول {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:٢٠] فهو على كل شيء قدير كما ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعمومها وإطلاقها ومدلولها ومقصودها، لأن ابن تيمية ناقش المعتزلة في هذا الكلام.

يقولون: إن الله على كل شيء قدير مما يقبل القدرة، لأن الله قدير، ولكنه لا يخلق مثل نفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ليس إلا إلهاً واحداً وقد جعل الألوهية له سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهذه المسائل مغاصات ومغارات أتى بها أهل الكلام، لكن أوقفهم ابن تيمية عند حدهم، والصحيح أنه على كل شيء قدير، أما كلام المعتزلة أنه قدير على ما يقبل القدرة، فهذا الكلام لا يوافقون عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>