للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طلب الدعاء من الحي وأسباب نسيان القرآن]

السؤال

حفظت نصف القرآن ولكني نسيته لكثرة الهموم، ولذلك أطلب منك ومن الإخوان أن تدعو؟

الجواب

أولاً: طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي الموجود مطلوب، وليس فيه إن شاء الله خلاف، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي وسنده حسن: {لا تنسني من دعائك يا أخي} وبعضهم يخالف في هذا، لكن بشرط أن يكون حياً موجوداً صالحاً، لا تأتي إلى ميت في قبر وتقول: (لا تنسني من دعائك يا أخي) فإنه لا يدري ولا يسمع ولا يعي ولا يعقل، إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار، أو تأتي إلى فاجر من أفجر الفجرة، عربيد سكار خمار عدو لله، وتقول: لا تنسي من دعائك يا أخي، لو دعا لك هذا لنزلت عليك صاعقة من السماء، لو دعا لك لانهدم عليك البيت، أو صدمتك سيارة وكذلك أن يكون موجوداً، ولا تأت في المسجد وتصلي وتقول: يا أخي في القاهرة، أو في الفلبين، لا تنسانا من دعائك، لا هذه سفر الأرواح، وهي عند غلاة المبتدعة وليست عند أهل السنة والجماعة، أحدهم يجلس فيغمض عينيه، قالوا: ما لك؟ قال: سافرت روحي إلى الخرطوم -لا أعادها الله عليك- وحدثنا بعض العلماء، قال: سافرت إلى المغرب، فدخلت هناك في مسجد فيه قبر لأحد زعماء هؤلاء المبتدعة، فدخلت فأردت أن أدروش مثلما تدروشوا، قالوا: ألق رداءك، فألقى غترته، قال: فألقوا أرديتهم، قال: فسكتنا، فقلت: ماذا؟ قالوا: فلان قام من قبره يناجي الرسول عليه الصلاة والسلام تحت الرداء، قلت: أسألكم بالله أنا بشوق لا يعلمه إلا الله لأرى الرسول ولو مرة، أرجوكم أن تسمحوا لي لأكشف الرداء لعلي أرى الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: قم يا وهابي يا متشدد يا غالي، حتى أخرجوه من المسجد على كل حال؛ ندعو لك بالخير والثبات، وأما نسيانك للقرآن فعارضان اثنان:

الأول: إما عارض كسبي من الذنوب والخطايا، فأنت تلام على ذلك، نحن كما يقول ابن تيمية: نلام على المعايب، ولا نلام على المصائب، نحتج بالقضاء والقدر في المصائب، ولا نحتج به في المعايب، إنسان يسرق، لماذا سرقت؟ قال: قدر الله وما شاء فعل، صحيح في نفس الأمر، لكن هذا احتجاج يؤدي -والعياذ بالله- إلى استحلال المعاصي، يأتي زاني يزني، قلنا: لماذا تزني؟ قال: قدَّر الله عليَّ أن أزني.

سرق سارق في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: لم سرقت؟ قال: قدر الله علي أن أسرق، قال: علي بيدك، فأخذ السكين فقطع يده، فقال: لم قطعت يدي وقد قدر الله عليَّ أن أسرق؟! قال: وأنا قدر الله عليَّ أن أقطع يدك.

وأما في المصائب فنحتج بالقضاء والقدر، رجل رسب ابنه بعدما رسب، يقول: قدر الله وما شاء فعل، أتاه حادث سيارة قدر الله وما شاء فعل، فالكسبي الذي نسيت به القرآن هذا تلام عليه أنت، وهذا -حفظكم الله- مثل: أن تكون أكثرت من الذنوب والخطايا، أو وقعت في فواحش، أو غفلت عن مراجعة القرآن، فتلام عليه، ونسيان العلم من أسبابه المعاصي، قال الله عز وجل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:١٣] قال الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي

الثاني: وأما الجبلي، فقد يكون أتاك شيء كمرض، فنسيت فتعذر عليه، بعض الناس صالح من الصالحين، لكن لا يعرف شيئاً إلا نسي اسمه، بعض الناس يقولون: إنه أرسله أبوه بريال، قال: تأخذ بريال تميز وبريال فول، فذهب إلى الفران، فنسي أين هو ريال الفول من ريال التميز، هو لا يسجد له سجود السهو لا عند المالكية ولا الحنابلة ولا الشافعية ولا الأحناف، فعاد إلى والده وقال: يا والدي الشيطان لبس علي حتى ما أدري أين هو ريال التميز من ريال الفول، قال: يا ليتني ما رأيتك حتى أشتري التميز أنا وأشتري الفول.

على كل حال الحمق وارد، وليس هذا بحمق، ولكن قد يحدث مرض ينسى به العبد، فإذا نسي فيؤجر، وهذه من المصائب التي يؤجر عليها العبد، وقد يأتيه مرض فينسى جميع المعلومات فعليه أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يغفر لنا ولمن حضر هذا المجلس، وأن يتغمدنا وإياكم برضوانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>