للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دور المسجد في التعليم والفتيا]

من المسجد تُدار الأحاديث العَقَدية، ويُعَلَّم التوحيد:

فقد ثبت ذلك في الأحاديث، وفي الصحيحين: من حديث أنس، قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أظهرنا على التراب -بنفسي محمد عليه الصلاة والسلام- وهو يجلس على التراب؛ لكنه يقود الأرواح إلى الواحد الوهاب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ويجلس على التراب؛ لكنه يسافر بالأرواح ويخرجها من وثنيتها، ومن رجسها وكفرها.

وبينما هو جالس إذْ قَدِم رجل اسمه: ضِمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر، فقال: أين محمد؟.

يسأل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فقدم واخترق الصفوف إليه، وقال: يا بن عبد المطلب، لماذا لا يقول: يا رسول الله؟

لأنه أعرابي من بني سعد، وبنو سعد قبيلة أعرابية من أهل الطائف، والأعراب أهل الجفاء، في الجملة، والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:٦٣].

فَقَدِمَ وقال: يا بن عبد المطلب، قال: {نعم، قال: إني سائلك، فمُشَدِّدٌ عليك في المسألة، قال: سَل ما بدا لك وكان الرسول صلى الله عليه وسلم متكئاً في المسجد، قال: من رفع السماء؟

قال: الله.

قال: من بسط الأرض؟ قال: الله.

قال: من نصب الجبال؟ قال: الله.

قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آللهُ أرسلك إلينا رسولاً؟

وكان متكئاً عليه الصلاة والسلام، فتربع واحمر وجهه من عِظَم السؤال، أعظم أطروحة في تاريخ الإنسان وقعت في الدنيا هذا السؤال.

شرحه ابن تيمية في مجلدات، كلما مرَّ به شرحه وأعلن وضوح هذا الحديث -قال: اللهم نعم ثم أخذ يسأله عن أركان الإسلام حتى انتهى، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعتُ ولا أنقص، أنا ضِمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم ولَّى، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.

والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المسجد للفُتيا وللدروس العامة:-

فقد كان يعقد الحلقات في المسجد، صباح مساء، وهو - صلى الله عليه وسلم - يدري أن الدروس في المسجد بركة ونور، بل هي إيمان وحب وطموح.

وعلم المسجد يختلف عن أي مكان آخر، إنه أبرك وأنور وأوضح من الجامعة والكلية والمعهد، لا نقول ذلك من باب التفاضل بين المسجد وغيره، فهو أفضل بلا شك؛ ولا ننكر كذلك مسايرة العصر والتطور الحضاري الذي شهدته الدنيا، لتبقى الكليات كليات، والجامعات جامعات، ولكن لنقول للأمة المجاهدة، أمة الرسالة الخالدة، ليبقى المسجد مسجداً وجامعة وثكنة عسكرية ومجلس شورى ومحكمة قضائية ومنتدى، هذا الذي نريد أن نقوله هذه الليلة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>