للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تمريض المصابين في المسجد]

والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المسجد مستشفى:

ففي صحيح البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم نصب خيمة لـ سعد بن معاذ، ليعوده من قريب.

وسعد بن معاذ هذا: أنصاري، أَوْسِي، مكث وعاش في الإسلام سبع سنوات، هي خير من سبعة قرون.

فسعد بن معاذ هذا: تاريخه مشرق، رجل فذ، قدم عليه الصلاة والسلام المدينة فأسلم على يديه، وكان سيد قومه، أصِيب بسهم في معركة الخندق، فحُمِل إلى المسجد ليداويه عليه الصلاة والسلام في المسجد.

ولذلك يتساءل الإمام البخاري مرة ثانية: باب: هل يوضع الجريح في المسجد؟

ثم أتى بهذا الحديث.

وسعد بن معاذ: لا يحتاج إلى تعريف -إيْ والله- بعض الأعلام إذا عُرِّفوا نُكِّروا.

يقول عمرو بن ربيعة المخزومي:

بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغرْ

قلن تعرفنَ الفتى قلنَ نعمْ قد عرفناه، وهل يخفى القمرْ؟

مرض رضي الله عنه وأرضاه، فلما أتته سكرات الموت، قال وهو في المسجد: [[اللهم إن كنتَ أبقيت حرباً لرسولك صلى الله عليه وسلم مع اليهود فأبقني لها، وإن كنت أنهيت الحرب مع اليهود، فخذني إليك]].

هذا هو الحب، وهذه أمة الحب، لا حب المجون والعشق والوَلَه.

فنحن أمة الحب، لكن حب الله -عز وجل- وحب رسوله.

فالحياة الحب، والحب الحياة؛ لكن لمن يستحق الحب، وهو الله تبارك وتعالى.

والحديث لا بد أن يستطرد ليكون أشهى وأقرب للنفوس.

وهذا عبد الله بن عمرو الأنصاري: في معركة أحد، حضر المعركة وقُتِل، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام لأهله: {ابك أو لا تبك، والله ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه} وقال: {وقد كلمه الله كفاحاً بلا ترجمان فقال: تَمَنَّ يا عبدي! قال: أن تعيدني إلى الدنيا فأُقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنَّ، قال: أتمنى أن ترضى عني، فإني قد رضيتُ عنك، فأحل الله عليه الرضوان، وجعل روحه في حواصل طير تسرح في الجنة، تشرب من أنهارها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها}.

ومات سعد في المسجد.

قالت عائشة {نظرتُ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من صائر الباب -أي: من شق الباب- هو وأبو بكر وعمر، وقد مات سعد والله إني لأعرف بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم من بكاء أبي بكر من بكاء عمر}.

ولذلك يقول أبو بكر لما مات سعد -كما في سير أعلام النبلاء للذهبي -: [[واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد]].

وبعض الناس إذا توفي ماتت بموته أمم، وبعض الناس إذا مات نقص من العدد واحد:

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ ولا شاة تموت ولا بعيرُ

ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته بشر كثيرُ

قال عليه الصلاة والسلام وهو يشهد مراسيم موت سعد بالمسجد: {لقد نزل سبعون ألف ملك لحضور جنازته}.

شُيِّعَتْ جنازتُه، وبكى عليها صلى الله عليه وسلم طويلاً طويلاً؛ لأنه من أخلص الصحابة، ومن أقربهم لخدمة المبادئ الأصيلة، ومن أحبهم إلى الله، ومضى عليه الصلاة والسلام في جنازته وقال بسند جيد: {لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ} قال الذهبي: سنده حسن.

قد اهتز عرش الرحمن لموت سعد رضي الله عنه وأرضاه.

قال حسان يفتخر باهتزاز عرش الرحمن:

وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمرو

انظر إلى الإنسان كيف يشرف وينبل بالعقيدة والمبادئ الأصيلة، فيهتز له عرش الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>