للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النبي يفتخر بخاله سعد]

وعند الحاكم والترمذي وحسنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {هذا خالي فليرني كل خاله} وسعد زهري وآمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم زهرية، فهي بنت وهب، وهي بنت عم أبي وقاص أبو سعد رضي الله عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {هذا خالي} هذا الزهري هو من خئولتي ولكن ليس لكم أخوال كخالي، أما أنا فشرفت عليكم بأن خالي سعد، ولذلك يقول له عمر بن الخطاب وهو يذهب إلى القادسية بجيش قوامه ثلاثون ألفاً يعبدون الله يقول: [[يا سعد بن مالك! لا يغرنك أنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب]] يقول: لا تغتر، فالله يوم القيامة لا يعفو عنك إذا أخطأت بغير اجتهاد، ولا يقال لك يوم العرض الأكبر: إنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الخؤولة تصلح في الدنيا أما في الآخرة فما يصلح إلا العمل الصالح.

كان عليه الصلاة والسلام يؤكد على هذا الجانب، فيقول: {يابني هاشم! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم يوم القيامة، من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه} أين الأسر والأنساب؟ أين القبيلة التي يدعيها بعض الناس؟ لا.

هي تصلح في الدنيا فلقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم شرف ورفعة: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:٢٣].

وذكر مسلم في الصحيح والطبراني في المعجم قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ارم سعد، فداك أبي وأمي} قال فنزعت سهماً ليس فيه نصل، والسهم لا يصيب إلا بنصل، وإلا فهو كالرصاصة التي ليس فيها بارود، لكن أراد الله أن يسدد رميته كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧] قال: فأصبته وانكشفت عورته فضحك عليه الصلاة والسلام.

يقول أهل العلم لا يدرى هل ضحك صلى الله عليه وسلم لأن السهم ليس فيه نصل فأصاب، أو لأن الرجل هذا وقع على ظهره فشفى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بقتله صدور المسلمين.

يقول سعد كما عند ابن هشام في السيرة والحاكم في الإصابة وعند ابن سعد في الطبقات:

ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي

فما يعتد رامِ من معدٍ برميٍ يا رسول الله قبلي

أي: معد، وهي من قبائل العرب ليس فيها أرمى مني يا رسول الله! إذا وجدت في العرب من هو أرمى مني فأخبرني به، قال هذه القصيدة حين أرسله صلى الله عليه وسلم إلى رابغ وأرسل معه جيشاً، فلما وصلوا إلى هناك تبددت بهم الشمس والجوع والظمأ، فعاد الجيش إلى المدينة، قال صلى الله عليه وسلم: من أذن لكم ومن أميركم؟ قالوا: سعد بن أبي وقاص، قال: أذن لكم بالرجوع؟ قالوا: لا.

قال: عودوا إليه، فعادوا إليه، فهجم عليهم جيش من جهينة فخرج سعد رضي الله عنه في الصحراء ومعه جعبة مليئة بالأسهم فأخذ يقتل جيش أولئك ثم قال:

ألا هل قد أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي

فما يعتد رامٍ من معدٍ برميٍ يا رسول الله قبلي

وعاد رضي الله عنه.

وعند البخاري ومسلم والترمذي والحاكم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان قريباً من خيبر، وقال بعض أهل العلم: كان بـ المدينة قبل أن تنزل {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] وكان عليه الصلاة والسلام يريد حراسة؛ لأن الحاقدين عليه كثير، والذين يطمعون في دمه صلى الله عليه وسلم أكثر، قال: {ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني هذه الليلة، قالت عائشة: فما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه إلا وقرقرة السلاح عند الباب، قال صلى الله عليه وسلم: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص، قال: بارك الله فيك، فحرسه حتى الفجر} فأنزل الله بعد الفجر {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] بلِّغ الرسالة وأدِّ الأمانة ولن تقتل، بلغ الرسالة وأوضح المنهج واشرح الكتاب ودرس الطلاب وأخرج التلاميذ ولك علينا عهد وميثاق ألا يصل إليك أحد، ولن تغتال ولا يقتلك أحد فلا تمش في حراسة

نصرت بالرعب شهراً قبل موقعةٍ كأن خصمك قبل القتل في حلمِ

إذا رأوا طَفَلاً في الجو أذهلهم ظنوك بين بنود الجيش والحشم

وإن أتوك ضيوفاً يطلبون قرى رأوك بحراً يعم البيد بالديم

أنسيتهم حاتم الطائي ومحتده وحدثوا كلهم بالبخل عن هرم

بلِّغ الرسالة ولا تخش أحداً، تعرض عليه الصلاة والسلام لإحدى عشرة محاولة اغتيال باءت بالفشل، والسبب: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] يصل إليه الحاقد بالسيف فيلمع بارق من السماء فيقع سيف الحاقد في الأرض، يأتي أبو جهل بصخرة، فإذا هو يخيل إليه أن بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم جملاً يريد أن يهيج عليه، فيلقي الصخرة ويفر.

يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم اكفني فلاناً بما شئت} فتنزل عليه صاعقة تحرقه وتحرق جمله، يأتي ابن أبي لهب فيقول: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} فيأكله الأسد، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>