للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سعد ومعركة القادسية]

حضرت القادسية فاحتار عمر بن الخطاب فيمن يقود الجيش إلى القادسية، وهي معركة مشهورة ذكرت في التاريخ الفرنسي والتاريخ الألماني والإنجليزي، فارس أجمعوا أمرهم على أن يجتاحوا الجزيرة العربية ويدخلوا حتى المدينة، وسهر عمر ليالي كثيرة، يقول ابن حجر في الفتح: كان عمر يقول: [[وإني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة]] حديث صحيح، ومعنى ذلك أنه إذا لم يجهز الجيش ويهتم بالأمر فإن الأمة سوف تذهب سدى، وسوف تذهب هباء منثوراً، بل ذكر ابن أبي شيبة في المصنف: أن عمر صلى بهم المغرب فقرأ بهم سراً لم يجهر في الركعتين ثم سلم، قالوا: [[يا أمير المؤمنين! سررت بنا قال: ما جهرت؟ قالوا: لا.

قال: والذي نفسي بيده إني أجهز الجيش وأنا في الصلاة]] قال ابن حجر في الفتح: تعارض عند عمر واجبان، فأدخل واجباً في واجب فرفع الله درجته ومنزلته، أو كلام يشبه هذا.

ثم يأتي آخر له عمارة يعمرها أو خلطة أو سيارة أو بقالة ويقول: والذي نفسي بيده إني لأبني العمارة وأنا في الصلاة، قلنا: قبح الله عمارتك، ولا أتم الله خلطتك، ولا أصلح سيارتك، تجهزها في الصلاة وتحتج بحديث عمر عمر يجهز جيشاً في الصلاة ليحمل رسالة ومنهجاً ربانياً، وأنت تحتج بهذا الحديث.

عمر أصبح في حالة ذهول حتى صار مشدود الأعصاب؛ لأنه هو المسئول الأول عن هذه الأمة، فهو يخشى أن يدخل جيش فارس كم جيش فارس؟ مائة وثمانون ألفاً يريدون دخول الجزيرة العربية، ويواجههم ثلاثون ألفاً، فأتى يقول: أيها الناس! إن الفرس قد تهيئوا لدخول الجزيرة وإني أرى أن أكون قائد الجيش، يقول: أنا أخرج لهم هناك، فصوتوا بالأغلبية يريدون هذا الأمر، فخرج رضي الله عنه، ولبس لأمته وأخذ سيفه ورمحه، وخلف وراءه علي بن أبي طالب وهو الخليفة، يقول: أنا أقود الجيش بنفسي، فلحقه علي رضي الله عنه قد خرج بالضاحية، قال: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، أنت درع المؤمنين، أنت فئة المؤمنين، أرى أن تبقى في المدينة، فإن نصر الله المسلمين كنت في مدينتك، وإن كانت الأخرى بقيت لنا، قال: صدقت، ثم قبل رأسه وقال: لا معضلة إلا أبو الحسن لها، يقول: أنت رجل المعضلات، أشيروا علي أيها الناس من هو القائد؟ فدخلوا في خيامهم يفكرون ويتأملون ويتدبرون، فأتى عبد الرحمن بن عوف يولول من خيمته -وهو زهري من قبيلة سعد - وقال: يا أمير المؤمنين! وجدته (الأسد في براثنه) قال: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص، قال: صدقت، فأتى عمر فخلع درعه، وأعطى سعداً رمحه وسيفه ومال به عن الطريق ووقفا يتباكيان، هذا يبكي وذاك يبكي، كذا يقول أهل التاريخ، قال: [[لا يغرنك قول الناس: إنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم]] ثم أوصاه بوصايا طويلة مجيدة تجدونها في البداية والنهاية وفي التاريخ.

ولما وصل سعد إلى القادسية أصابه مرض، بعد أن قاد المعركة أياماً؛ لكن في الأيام الأخيرة أصابته قروح وجروح في بطنه رضي الله عنه، فكانت توضع له الوسائد، وكان يشرف من على حصن ويدير المعركة، فقال أحد الشعراء:

ألم تر أن الله أنزل نصره وسعد بباب القادسية معصم

فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم

يقول: ألم تر أن الله أنزل علينا النصر ونحن نقاتل، وسعد في رأس الحصن ما قاتل معنا، وأن الله أيتم أطفالنا، أما أطفال سعد ما يتموا، فقام سعد وقال: [[اللهم كف عني لسانه ويده، فأرسل الله على هذا الشاعر سهماً فوقع في لسانه فقطعه، ثم ضرب برمح فقطعت يمينه]] رواه الطبراني وأهل التواريخ وهو في مجمع الزوائد في الجزء التاسع صفحة (١٥٤) لأن سعداً صادق مع الله، لكنه مريض معذور.

[[قام علي في الكوفة حين اختلف الحكمان فقال: كنت نهيتكم عن هذه الفتنة، فقام رجل آدم (أي أسمر) فقال: والله ما نهيتنا، ولكنك لما أدخلتنا في الفتنة برأت نفسك وألحقتنا ذنبك وأنت الذي أوصلنا إليها، قال: مه! ويحك قاتلك الله، مالك ولهذا الكلام؟! والله لقد كانت الجماعة فكنتَ خاملاً، وكانت الفتنة فنجمت فيها نجوم قرن الماعز ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري -العجر والبجر هي سرائر النفس ودخائلها وأسرارها- إلى الله أشكو عجري وبجري، لله منزل نزله عبد الله بن عمر وسعد بن مالك يعني: سعد بن أبي وقاص إن كان إثم فإنه لقليل، وإن كان أجر فإنه لكبير]] روى هذا الطبراني كما في مجمع الزوائد.

والسبب أن سعداً اعتزل الفتنة رضي الله عنه؛ فلم يكن مع علي ولا مع معاوية، وذهب إلى الصحراء ولو أن الحق عند أهل السنة مع علي [[وكان ابن عمر يندم ويقول: يا ليتني قاتلت مع علي فهو أولى بالإمامة والحق كان معه]] رضي الله عنهما جميعاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>