للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رحمة بالكائنات]

الفائدة الخامسة: العلم رحمة بالكائنات: فإن أرحم الناس بالناس العلماء، وسيدهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بالعلم ولذلك قال الله له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] ولم يقل رحمة للمؤمنين ليخرج الكفار، وإنما قال للعالمين، فهو رحمة للكافر وللمسلم وللحيوانات والعجماوات والطيور والزواحف.

أما رحمته للكافر: فإن الكافر لم يعذب والرسول صلى الله عليه وسلم حي، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:٣٣] فكنت رحمة لهم وهم كفار.

وأما رحمته للمؤمنين: فإن الله رحم به المؤمنين، وكان أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم.

وأما رحمته بالحيوانات: فمما علم من أحاديث كثيرة، منها حديث الجمل الذي شكى إليه صلى الله عليه وسلم أن سيده يجيعه ويريد أن يذبحه، فأنقذه بإذن الله رسول الله من الذبح، ورحمة الطائر في حديث ابن مسعود عند أبي داود، يوم أخذ الأنصاري فراخها من العش، فجاءت ترفرف على رأسه كأنها تشكو إليه، حتى يقول بعض الشعراء:-

جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صب واجف

من أخبر الورقاء أن مكانكم حرمٌ وأنك ملجأ للخائف

فلما رفرفرت على رأسه فهم صلى الله وعليه وسلم فحوى الخطاب فقال: {من فجع هذه بأفراخها؟ قال رجل: أنا يا رسول الله! فقال: رد عليها أفراخها} فكان رحمة لها، ورحمة للنمل فإنه أبى صلى الله عليه وسلم أن تحرق بالنار، وقال: {لا يعذب بالنار إلا رب النار} فهو رحمة للعالمين.

إذاً: فالعلم كشف للشبهات، وكبت للشهوات، وإحياء للأموات، وتجلية للظلمات، ورحمة للكائنات، وهذا مجمع عليه بين علماء الإسلام، إلا من شذ ممن لا يفهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>