للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من آداب الخلاف تحديد التخالف تضادي أو تنوعي]

السبب الحادي عشر: أن تحدد نوع الاختلاف هل هو خلاف تضاد أو تنوع؛ لأن التضاد لا يعذر صاحبه، لأن أهل السنة: إذا خالفهم غيرهم في ذلك لما يعذرونه مثل: من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، رجل يقول: أركان الإسلام أربعة، تقول: خمسة، يقول: لا أربعة، يذكرون أن رجلاً أحمق دخل عند قاضٍ يشهد، أخذه رجل وأعطاه دراهم، قال: اشهدلي، فلما جلس عند القاضي، قال صاحب شهادة الزور: أنا أجلس وراء القاضي فإذا سألك القاضي عن أسئلة فالتفت إلي وأنا أشير لك وأنت تجيب على قدر الإشارة، فجلس هذا الأحمق أمام القاضي، قال القاضي كم أركان الإسلام: فالتفت إلى صاحبه، ثم قال: خمسين، قال: القاضي خمسين؟ قال: خمسمائة، يعني يا خمسين يا خمسمائة، والمقصود أن التضاد هو الذي لا يعذر صاحبه، وليس في الإسلام إلا خمسة أركان، ولا نقول كل مأجور، من قال أربعة أجر، ومن قال خمسة أجر، ومن قال ستة أجر، لا، خمسة فقط لا يوجد كلام آخر، خمسة فقط وأركان الإيمان ستة فقط.

صلاة الظهر أربع ركعات في الحضر فقط لا تأتي تقول: الحمد لله المجتهد له أجران، والمفتي أجر واحد، هذا يأتي في اختلاف التنوع في الفرعيات، فهذا لا يعتبر مخالفاً فيه مثل العقائد وأصول الإسلام.

وأما مسائل التنوع فهي مثل المسائل التي فيها سعة مثل: الجهر ببسم الله في الجهرية أو الإخفات بها، لا تقل: فيها قول واحد ومن خالفنا فقد ابتدع وخرج من الملة، لا.

خالفك قوم ومعهم دليل ويمكن أن الصواب معك، لكنهم اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} حديث صحيح، فلذلك تدعو للناس بالأجر وتلتمس لهم العذر.

فلا يجوز للمخالف في مسائل الفرعيات أن يعنف على من خالفه، مثل: الآن من المسائل الخلافية: دخولك بعد صلاة العصر في المسجد؛ بعض أهل العلم يرى ألا تجلس إلا بعد أن تصلي ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وآخر يقول: لا يجوز لك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس} هذا مأجور وهذا مأجور، ولو أن الصواب في الظاهر مع من قال يصلي ركعتين؛ لأنها تحية المسجد، لكن كيف تخطئه؟ كيف تعلق عليه؟! قل: قيل بهذا وهذا ولك دليل والذي يظهر لي أن الدليل هذا أرجح وأنا أعمل به، ولا تعمم، أما أن تستهلك قضايا الأمة وقضايا الإسلام ووقتك وعمرك في هذه الجزئيات فهذا غلط، ولذا ترى كثيراً من الشباب لا يعرف إلا أبواب العبادات، يعرف تحريك الإصبع، وصلاة الضحى والبسملة ووضع اليد اليمنى على اليسرى، ولا يعرف من المعاملات شيئاً، وهذا موجود في (٩٠%) من الشباب، أقولها بجدارة وجرأة حتى الآن اسألوا عن بيع العينة، اسألوا عن كتاب الإجارة والمزارعة، كتاب الربا، الرضاعة، الحضانة، النفقات، العدد إلى آخر هذه المسائل، إنما هو في مسائل فقط يركز عليها ويقضي معظم وقته فيها دائماً، وبعضهم إذا حفظ رجلاً من الرجال جلس في كل مجلس: أرأيت في فلان، قرأتم عنه، يقولون: بعض الشباب لا يعرف إلا شهر بن حوشب هذا هو أحد الرواة، قال أهل العلم: صدوق يخطئ واختلف أهل العلم، فكان كلما جلس يقول: يا إخوتي ما أدري بحثت لـ شهر بن حوشب ما رأيكم فيه، فكلما جلس سأل عنه فإن قلت ثقة، قال: خطأ، وإن قلت: ضعيف، قال: خطأ، فمع ذلك عنده قضايا محددة في رأسه ما يتكلم إلا عنها.

تجد بعض الوعاظ عنده قضية خاصة لنفسه في الحياة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها، مثل: قضية الدخان هي محرمة بلا شك حرمها أهل العلم، لكنه لا يتكلم إلا عنها، هي القضية السامية عنده فلا يزال يقول: وسافرت ورأيت أناساً يشربون الدخان، وذهبت أمريكا فوجدتهم يشربون الدخان، وسمعت أناساً هنا يشربون الدخان، والناس أصبح بعضهم يشرب الخمر وبعضهم خرج من الملة، ومع ذلك قضية في كل مكان وزمان الدخان الدخان، ويجمع رسائل ويوزع أشرطة -جزاه الله خيراً- لكن يأخذ المسألة بقدرها في الإسلام.

أما المخالفون في فروع الشريعة فلهم أعذار ذكر ذلك ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لماذا يقول أبو حنيفة قولاً يخالفه فيه أحمد ويخالفه الشافعي، بعضهم لم يبلغه الحديث فأنت بلغك الحديث وأنا ما بلغني فتقول به وأنا أقول: لا، فأنا معذور أمام الله لأني ما بلغني الحديث في الفرعيات.

الأمر الثاني: قد يصح عندك الحديث وأنا لا يصح عندي، والتصحيح أمر اجتهادي، وبعض الشباب الآن إذا قلت: رواه ابن حبان وصححه، وصححه الحاكم وابن حجر، وصححه ابن تيمية نزل إليك، وقال: لا، ضعفه الألباني، حسناً وهل أنا مخطئ، أنت قلت: الألباني، وأنا أقول: ابن تيمية، وأنا أقول: ابن حجر، وأنت تقول: الألباني، وقلت: ابن حبان، تقول: الألباني، فلماذا ترضى بحكمك وتغضب علي؟ لأني قلت: هو ضعيف أو صحيح والتصحيح أمر اجتهادي.

أيها الإخوة: حذار من التعصب في مبدأ التصحيح، حتى تجد بعض الطلبة لا بد أن تصحح أنت مثل ما صحح فلان وإلا خطأ الدرس ولا يفهم لك، وإذا ضعفت صحيحاً عنده خطأك وليس بصحيح، قد يصح عندي؛ لأني متساهل في الشروط مثل ابن حبان والحاكم، أو يضعف عندي؛ لأني متشدد مثل النسائي وأبي حاتم وغيره.

ومن أسباب أن نعذر المخالفين في الفروع: أن يظن أن الحديث منسوخ وأنت تظن أنه ثابت محكماً، أنا أقول: منسوخ وتقول: لا هو ثابت، يعذر هذا بهذا وهذه أعذارهم وما أرادوا إلا الخير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>