للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاستغفار والتوبة]

فعلاجه صلى الله عليه وسلم، قوله: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} دل على ذلك القرآن الكريم؛ قال المولى سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] انظر إلى الخطاب، لم يقل: تعالوا أو هلموا بل قال: سارعوا!

يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل: كيف تكون الجنة عرضها السماوات والأرض؟ أين السماوات والأرض والجنة عرضها السماوات والأرض؟ فقال: أين الليل إذا أتى النهار؟ وهذا قياس صحيح أصلي مطرد، أين الليل إذا أتى النهار؟ قال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٤] فمن يكظم ويعفو ويحسن يدخل الجنة، لكن انظر ما قال بعد ذلك: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦] سبحان الله! يدخلون جنة عرضها السماوات والأرض وهم يرتكبون الفواحش، هذا يجعل الإنسان بلحمه ودمه يفرح ويضحك؛ لأنه يفعل الفاحشة ولكنه يدخل الجنة!!

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أذنب عبد ذنباً فقال: يا رب! أذنبت ذنباً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فغفر الله له، ثم أذنب ذنباً فقال: يا رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فغفر له، فأذنب ذنباً فقال: يا رب! اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنب إلا أنت، قال الله: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا، فليفعل عبدي ما شاء}.

هذا في الصحيحين بهذا اللفظ، والمعنى عند أهل العلم حتى لا يفهم فهماً خاطئاً معناه كما قال النووي: إن عبدي ما دام أنه كلما أذنب تاب واستغفر فإنه سوف ينجو، أو أنها حادثة عين لسر رآه الله عز وجل في ذلك العبد، وليس المعنى: أن العبد مهما كان يذنب الذنوب فإن الله سوف يغفر له هذا لا يكون، ومن فعل ذلك أو ظن ذلك أو اعتقد ذلك فقد تمنى على الله الأماني، والله يقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:١٢٣].

سهر ابن عباس ليلة كاملة يقرأ من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الحرم ويردد قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:١٢٣].

قال عطاء: والله لقد رأيت إلى جفنيه كشراك النعلين الباليين من البكاء، لأنه يفهم القرآن.

ورأيت في سيرة أبي بكر {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ عليه الآية والصحابة جلوس، فتلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:١٢٣] فتماط أبو بكر حتى سمع لظهره أطيط، قال: ما لك يا أبا بكر غفر الله لك؟ قال: يا رسول الله! كيف العمل بعد هذه الآية؟ أي كيف النجاة؟ قال: غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فوالذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن من هم ولا وصب ولا غم ولا حزن ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله له بها من سيئاته}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>