للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لقيا موسى عليه السلام الخضر]

نعم! فلما فقد الحوت، عاد فرأى الخضر عليه السلام فسلم عليه، يقول الله في تعريف الخضر: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:٦٥] علمٌ بلا رحمة قسوة وجبروت، ورحمةٌ بلا علم جهلٌ وتردي، فجمع الله للخضر الاثنين، رحمةٌ وعلم، فالذي ليس عنده علم وعنده رحمة ضعيف، والذي عنده علمٌ بلا رحمة جبار، والذي ليس عنده علمٌ ولا رحمةٌ ضائعٌ ضالٌ في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

فسلم عليه موسى، فقال الخضر: من أنت؟ قال: أنا موسى.

قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم.

قال: ماذا أتى بك؟ قال: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:٦٦] ما أحسن العرض! وما أحسن الأدب! ما قال: أرافقك، ولا أصاحبك، ولكن عرض نفسه هل ترى ذلك مجدياً؟ أتبعك فأكون تلميذاً وخادماً أتعلم منك، فيقول الخضر عليه السلام لموسى، وهو يعرف قوة موسى، وصراحة موسى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف:٦٧ - ٦٨].

يقول: أنت سوف يظهر لك أمور لن تصبر أمامها؟ ولن تقف أمامها صابراً؟ قال موسى عليه السلام: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} [الكهف:٦٩] ولا يصبر الصابر إلا بعون الله، ولا يوفق الموفق إلا بهداية الله، فلذلك استلهم رشد الله:

يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني

وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني

فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني

والله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:١٢٧].

قال: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:٦٩] ولكنه لم يصبر عليه السلام.

وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتابع القصة بلهفٍ وبإصغاءٍ وبشوقٍ وفي الأخير لما قال الخضر: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:٧٨] تبسم رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقال: {رحم الله موسى، وددنا أنه صبر حتى يقص علينا من نبأهما}.

قال الخضر: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} [الكهف:٧٠].

فمشيا وركبا في السفينة، ومر عصفور فشرب من الماء، فقال الخضر لموسى متواضعاً لجلال الله ولعظمة الله ولعلم الله: يا موسى! ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقص هذا العصفور لما شرب من هذا البحر؛ فأي نقصان أصاب البحر لما أدخل هذا العصفور منقاره فشرب من الماء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>