للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[السلام على الجالسين في درس ونحوه]

الأولى: يقول ابن حجر: لماذا لم يُسَلَّم الثلاثة؟

لماذا لم يذكر الراوي أن الثلاثة دخلوا المسجد ما سلموا؟

لأنه يقول: دخل ثلاثة والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، وما ذكر التسليم، ويعتذر لهم بثلاثة أعذار:

إما أنهم سلموا ولم ينقل، وإما أنهم استحيوا ورأوا ألا يقطعوا على الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث، فما سلموا استحياءً، وإما أنهم لم يعرفوا الحكم، أي: لم يعرفوا الحكم في أنه ينبغي ويسن أن يسلم على من في المجلس فما سلموا، وحكم هذه المسألة أنه لا بد أن يسلم على من في المجلس، فإذا أتيت وفي المجلس علم، أو في فصل، أو حلقة دراسية، أوحلقة ذكر ووعظ، فسلم عليهم بلا شك.

لأن الأدلة دلت على أن السلام سنة، منها: الحديث الذي رواه أهل السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: {سألت بلالاً كيف كنتم تسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وكيف كان يرد عليكم؟

قال: كنا إذا سلمنا عليه بسط يده -هكذا- رداً علينا} وسند هذا صحيح، ودل عليه حديث خباب كما عند الحاكم، وأصله في صحيح مسلم، من حديث صهيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم عليه رد، قالوا: كان يرد إما بالسبابة هكذا، وإما بالكف هكذا في الصلاة.

ولا يعترض معترض بحديث ابن مسعود الصحيح، أنه يقول: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرد علينا، فلما قدمنا من الحبشة سلمنا عليه فمارد علينا، ثم قال: {إن في الصلاة لشغلاً} وهذا الحديث صحيح، ومعناه: أننا كنا نسلم عليه فنقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: وعليكم السلام ورحمة الله وهو في الصلاة، فنسخ هذا الحكم، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الصلاة لشغلا} وبقيت الإشارة، ولذلك جاء في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: {قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يصلون، فلما دخلت في الصف، سمعت رجلاً عطس في آخر المسجد، فقلت: يرحمك الله، فسبح الناس، فعطس ثانية، فقلت: يرحمك الله، فقالوا: سبحان الله! قلت: مالكم ويل أمي؟ فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً ألطف ولا أرحم ولا أحلم منه! فما كفرني، ولا كهرني -كفرني: قطب في وجهي وعبس، وكهرني: أي: انتهرني- وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن}.

قال أهل العلم: فأما الكلام في الصلاة فهو على ثلاثة أظرف:

من تكلم عامداً بطلت صلاته، ومن تكلم ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، كأن يأتي إنسان من البادية لا يعرف الحكم، فأتى في المسجد وتكلم، وقال: كيف حالك يا شيخ وهو يصلي معه الظهر؟! فلا شيء عليه إن كان جاهلاً أو ناسياً.

وكذلك إذا تفكر في دينه، فرأى أنه عليه خمسة عشر ألفاً، فقال: الحمد لله! اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، فلا شيء عليه، أما رد السلام فيكون بالإشارة، ومن باب أولى أن يسلم على أهل الحلقات في حلقاتهم، وأهل الدروس في دروسهم، وللمعلم أن يرد السلام، وله أن يكتفي برد الناس، لأنه يكفي -كما في الصحيح- أن يرد عليهم واحد ويسلم عليهم واحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>