للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من مواقف عمر في أخذ الدين كاملاً

أيها الإخوة: عند النسائي بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه ذهب إلى بعض بيوت اليهود فوجد صحيفة من التوراة، فأتى بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستبشراً.

أي: أنها فرصة أنه وجد صحيفة فيها كلام أصله من الوحي والتوراة، فأراد أن ينفع بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: إنها مكسب، وهي مخطوطة جديدة والكتب والمخطوطات، والأمة أمية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:٢] فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأعطاه الصحيفة، وقال: خذ هذه يا رسول الله فقد وجدتها، فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: {أمتهوكون فيها يـ ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده! لو أن موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي، أما أتيت بها بيضاء نقية كالشمس، فجلس عمر على ركبته وقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً} ومزقت الصحيفة وأحرقت، لماذا؟

سيد قطب يقول في معالم في الطريق: السبب القوي في اتجاه الصحابة أنهم خلعوا كل ثقافة من ثقافات الجاهلية ودخلوا في الإسلام من عتباته، وهذا صحيح، فلو دخلت مكتبة عمر ماذا تجد في بيته؟ تجد المصحف والسيف معلق، ليس عنده دوريات ولا مجلات ولا صحف ولا مؤلفات ولا مصنفات، لكنه هو نفسه قرآن يمشي على الأرض، وتعال إلى الشاب منا الآن فتجد مكتبته ملأت مجلسه وغرفته وأدراجه وليس عنده منها شيء، ربما لا يعرف العناوين، فالأمة شيء والثقافة شيء والعلم شيء آخر: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩] وقد يكون الكافر أكثر ثقافة من المؤمن لكن العلم لا يكون إلا لمن هداه الله عز وجل.

- وهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، عن عمر أنه قتل منافقاً وسنده فيما يظهر لي في الشواهد حسن ولو أن فيه انقطاعاً في السند الذي ذكر.

فيجلس عمر رضي الله عنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول أحد اليهود لأحد المنافقين المتخاصم معه: نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن أعطانا ما أردنا رضينا وإن لم يعطنا ذهبنا إلى غيره، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فحكم بينهم بحكم لم يناسب المنافق: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] فلم يناسبه الحكم، ولم يرغب فيه، فهو متهتك، فذهب إلى أبي بكر عله يجد عند أبي بكر الرجل الثاني ما يصلح، فذهبوا إلى أبي بكر فأخبرهم بفتوى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رحيماً حبيباً لا يستجلي الأخبار، وذهبوا إلى عمر فسألوه قال: أحكم بينكم أحد؟ قال المنافق: نعم! الرسول، صلى الله عليه وسلم.

قال: بماذا؟

قال: بكذا وكذا.

قال: ومن؟

قال: وأبو بكر، قال: انتظروني قليلاً، فظنوا أنه سيراجع مخطوطة بولاق، أو دار الشروق، فذهب إلى السيف البتار الذي صند به الملاحدة والفجرة وأتى به، فدخل عليهم فقتل الاثنين، وهذه قصة ثابتة والحمد لله، وهي من ميز عمر رضي الله عنه:

رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب

تدمير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله محتسب

وهذه هي حرارة لا إله إلا الله، فماذا بعد هذا من كفر؟ وهل بعد الحق إلا الضلال؟!

إنسان يريد أن يأخذ من الشريعة ما أراد ويترك ما أراد، في قلبه زيغ وليس له إلا السيف.

- يذكر الدارمي قصة صبيغ بن عسل مع عمر في أول السنن بسند صحيح، فيأتي أحد الصحابة إلى عمر رضي الله عنه ويقول: عندنا رجل قارن بين الآيات وما استطعنا أن نجيبه، وكان صبيغ في الجيش يقول: كيف تجمعون لي بين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوا * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:١ - ٢] وبين قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١] وبين قوله: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:١] وبين قوله كذا وكذا؟ فأخبر عمر قال: عليَّ به، وجهز له عمر دواءً شافياً بإذن الواحد الأحد، عصا من النخل القوي الخضراء، فأتى الرجل، وكان عمر ضليع الجسم قوي البنية هماماً:

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

فأتى بالرجل فضربه ضربة حتى أغمي على الرجل، قال: رشوه بالماء، فهذه أول عملية في غرفة الإنعاش، يطرد بها الشياطين، واستفاق الرجل بعد هذه النومة الهانئة، يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، قال: فلما قال عمر: أعقلت؟ قال: نعم.

فضربه حتى أغمي عليه.

فقال: رشوه بالماء، فرشوه فأصبح ورأى الفجر والنور، قال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني، وإن كنت تريد دوائي فقد داويتني دواء يبرئني إن شاء الله، فهذا علاج يخرج الشياطين من الرءوس، فاشترط عليه عمر ألا يكلم أحداً من المسلمين، ولا يكلمه أحد، ولا يجلس مع أحد، ويبقى منفرداً حتى تصح توبته.

قال بعض أهل العلم: جلس سنة، وقال بعضهم: ستة أشهر، فجلس منزوياً حتى تاب وذهبت الشياطين وعرف أنه المنهج الرباني، وأن الله هو الذي أنزل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:١] وأنزل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١] وليس له أن يتكلف ولا يدخل بعقله في مسارات الوحي؛ لأن الوحي أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ليس بكلام مسيلمة.

أتدرون ماذا يقول مسيلمة المجرم؟

سُئل عمرو بن العاص، ماذا كان يقول مسيلمة قال: كان يقول: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، وكان يقول: يا ضفدع نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين.

هذا كلامه ولذلك {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٤٥].

<<  <  ج:
ص:  >  >>