للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سبب نزول قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ)

السؤال الثاني: ما سبب نزول قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] وما هو ظلال الآية في واقعنا المعاصر؟

الجواب

سبب نزول الآية كما في البخاري من حديث عبد الله بن الزبير: {أن الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم اختصم هو ورجل من الأنصار في مزرعة، فأتى صلى الله عليه وسلم إلى صاحب المزرعة، وكان للزبير مزرعة فوق مزرعة الأنصاري، فقال صلى الله عليه وسلم للزبير: اترك الماء قليلاً حتى يعود للجدر ثم اتركه للأنصاري، قال الأنصاري للرسول صلى الله عليه وسلم: أتقضي له لأنه ابن عمتك؟ فغضب عليه الصلاة والسلام -وكان ذاك الوقت صلح، فلما وصل إلى الحكم- قال: اترك الماء} قال بعض العلماء: حتى الكعب، وقال بعضهم: حتى يصل إلى الجدر، وهذا هو الحكم ثم اتركه يمر، فأنزل الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

الآية لها ظلال ثلاث:

الأول: يقول بعض العلماء المجيدون معنى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:٦٥] أي: يرضوا بحكمك ويرضون بك إماماً {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] معنى يحكموك: أي في معتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم، من رضي بإمامة الرسول صلى الله عليه وسلم فجعله إماماً له في المعتقد والأخلاق والسلوك وأكبرها لا إله إلا الله، وفي سنن منها: اللحية، والثوب فهي من السنة، وإماطة الأذى عن الطريق، والسواك، وفي كل دقيقة وجليلة يحكم فيها محمد عليه الصلاة والسلام.

يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا

أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا

خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا

والتحكيم يعني: أن تجعله إمام، الآن أتباع استالين ولينين يحكمونه في كل شيء، وكذلك يقلدونه.

ولي خان باكستاني توفي قبل ما يقارب سنة أو سنتين، وقد دخل ابنه الحزب الديمقراطي في الانتخابات مع بناظير، هذا من حبه لـ لينين وقد أخذ تمثالاً لـ لينين معه في المجلس، كان إذا أراد أن ينام أخذ تمثالاً لـ لينين وينام بجانبه، ويوم حضرته الوفاة في إسلام آباد أوصى أبناءه أن يدفنوه في موسكو بجانب قبر لينين ليحشر معه في نار جهنم، ولكن رفضت روسيا أن تستقبل جثته، وانظروا الحب، وانظروا الخزي والعار، وفي الأخير طلب أن يدفن، فدفن في داخل أفغانستان، وإنما أقول هذا؛ لتعلق بعض الناس ببعض المغرضين، من أمثال: ميشيل عفلق من مؤسسي حزب البعث في العالم العربي، وله أتباع رأيناهم يأخذون صورته ويقبلونه، ويقولون: من أجل عينيك {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] وأولياء الله والرسول عليه الصلاة والسلام أشد وأحسن وأقوى وأعظم.

فعجباً لهؤلاء كيف يقلدون هؤلاء الملاعين الملاحدة الأقزام؟! فأين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وتلاميذه وأتباعه؟!

تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال

يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال

روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال

وأنتم أبناؤه وأتباعه على ملته.

يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار}.

والظلال الثاني: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:٦٥] تحكيم الدستور الإسلامي (الكتاب والسنة) في حياة الأمم والشعوب {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٤ - ٤٧].

فمن حكم بغير ما أنزل الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم، يقول سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠].

ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد قصة مشهورة عند أهل العلم وهي: {أن رجلين: يهودي ومنافق اختصما في قضية، فذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول اليهودي: نذهب إلى محمد، والمنافق يقول: لا} لأن اليهودي يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يحكم بالحق، والمنافق خائف لأن الحق عليه.

فلما ذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالحق، فقال المنافق: ما رأيك نعرض على أبي بكر عله أن يسهل لنا؟

قال: ذهبنا إلى أبي بكر فسألاه فحكم كحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر سهل لين رقيق ما سألهم هل حكم قبلي أحد؟ فذهبا إلى عمر وكان في البيت، فقالا: نعرض عليك قضية، قال: ما هي؟ قالا: كيت وكيت! فقصا عليه القصة، فقال: عرضتم القضية على أحد قبلي.

هذا الرجل العملاق، الداهية الذي تفر منه الشياطين، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {هيه يا عمر والله ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك}

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

{قال: أحكم قبلي أحد؟ قالوا: نعم.

قال: من؟ قالا: الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قال: هل رضيتم؟ قالوا: أردنا أن نسمع حكمك، قال: انتظروا قليلاً لأخرج شيئاً حتى أرى الحكم، فذهب في طرف بيته وأخرج السيف مسلولاً ودخل على الاثنين فضرب رءوسهما حتى فصلهما عن الأعناق} إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!!

لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

ولا شلت يمينك يا أبا حفص.

الظلال الثالث: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً} [النساء:٦٥] بعض الناس يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه يجد حرجاً، وهذا دليل على النفاق، مثلاً: من يحمل السنة وفي قلبه خجل من الناس، وإنما يفعل مجاملة، فهذا في قلبه مرض ونفاق، مثل بعض الناس تجده يحضر صلاة الجماعة لكنه كالمجامل، ويعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث عليها لكن في قلبه حرج.

وبعضهم يقول: ليت الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتى بالحجاب، أنا أحجب بناتي والله المستعان؛ لكن ليته ما أتى به، هذا يدخل في عموم من في قبله مرض، لا يرضى بالإسلام، ولا يرضى بحكمه عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>