للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كتب مشهورة في الساحة فوائدها وما يؤخذ عليها]

السؤال السابع عشر: الكلام عن بعض الكتب المشهورة في الساحة مثل: الإحياء للغزالي؟

الجواب

الإحياء يسأل عنه بعض طلبة العلم، وأنا أرى أن الإنسان لو اكتفى بكتب أهل السنة وترك هذا الكتاب كان أحسن؛ لأن هذا الكتاب فيه غبش، فيه ثلاثة أمور وقضايا كبرى انتبهوا لها:

أولاً: لا تأخذ المعتقد عنه، فالمعتقد مهم، وصفاء المعتقد -والحمد لله- لا ننتقص بلداً إسلامياً، وهنا في الجزيرة أكثر صفاء في المعتقد، تجد العامي صافي المعتقد بإذن الله، والله ما نقولها عاطفة ولا تعصباً لكن مما نرى ونشاهد؛ فإنك تجد العامي على التوحيد من غير أن يقرأ كتب ابن تيمية وابن القيم ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولو أنا نعرف أن في العالم الإسلامي أهل سنة وجماعة وسلفيون ومهتدون ومقتدون لكن الصفاء والكثرة تجدها هنا، فأنا أحذركم ألا تأخذوا المعتقد من الغزالي في الإحياء، فهو أشعري مرة وصوفي مرة أخرى ومرة يوافق أهل السنة.

يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ وإن لقيت معدياً فعدناني

فليس له ضابط، حتى إن ابن تيمية دائماً يتكلم عنه في بعض القضايا، وابن تيمية يُسمَّى مُنظِّر أهل السنة والجماعة في المعتقد، هو عبقري إمام أهل السنة والجماعة من فترته إلى الآن.

يقول أحد المستشرقين: " وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن ".

عنده متفجرات فـ ابن تيمية عملاق، فقد رد على الملاحدة والفلاسفة والمناطقة والمعتزلة والأشاعرة والمعطلة والصوفية، ورد على كل فرقة، وقاتل بالسيف، وخطب ووعظ، وأفتى وزهد وألف، فرضي الله عنه وأرضاه.

هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله

والأمر الثاني في الإحياء: أنه حاطب ليل في الأحاديث لا يصحح ولا يضعف، يأتي بالحديث الموضوع، ويقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام، تقبل أو لا تقبل، ولذلك خرجه العراقي لكن بعد تخريج العراقي أحذر من إحياء علوم الدين.

الأمر الثالث: معجب بـ الصوفية، فإنه يأتي بأمور وخزعبلات ويرتاح لفعل الصوفية، يقول: تأخذ رقعة واحدة فقط، حتى أنه لا يرى ألا تلبس ثوباً واحداً لا سراويل ولا فنيلة من الزهد، ولا تأكل الرطب؛ لأن بعضهم -يمدحهم- يقول: ما أكل الرطب أربعين سنة.

يعني: البلح، يقول: من زهده ما أكله أربعين سنة، والرسول عليه الصلاة والسلام أكل اللحم والعسل والدجاج {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:٥١].

ذكر أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة قصة رجل من الصوفية، يقول: أتى فأخذ لصقة من الشطرطون، فوضعها على عينه اليسرى وغطاها، قالوا: ما لك؟ قال: إسراف وتبذير أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله عز وجل يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:٨ - ١٠] أهذا أحكم من الله؟ الله أبصر يوم جعل عينين لكن هكذا الهلوسة.

يقول الذهبي: أحدهم وقد ترك الطعام ثلاثة أيام بلا فطور ولا غداء ولا عشاء، قال: زهد، حتى رأى أشباح الجوع مثل الدخان، قال: هذه الملائكة هبطت عليَّ، قال الذهبي له: والله ما هبطت عليك الملائكة لكن عقلك هاش وفاش وطاش، يعني: دندن من الجهل.

فسنة محمد صلى الله عليه وسلم تتبعها، ومن يقرأ الإحياء يصاب بهذه الهلوسة، مع العلم أني أقول: إن الأستاذ والمعلم والعالم إذا كان عنده دربة وعلم؛ فبإمكانه أن يستفيد منه، ففيه فوائد جليلة في عالم التربية؛ فإن الرجل مربِّ، والغزالي عملاق، ويُسمى حجة الإسلام، وهو بحر في العلم؛ لكن تجد هذا الدر في مثل المزبلة ما يخرجها إلا غواص أو فطن.

الكتاب الثاني: المحلى لـ ابن حزم، هذا كتاب فقه وهو مشهور بين أهل العلم.

وابن حزم رحمه الله كانت أسرته أسرة وزارة مع ابن جهور في الأندلس، ثم ترك الوزارة يقول: والله إني كنت أكتب في شبابي على ماسة الذهب بقلم من الذهب والدواة من ذهب، ثم تركت ذلك لوجه الله حتى ما أجد اليوم عشاء ليلة، يقولون: خرج من قصره وكان عمره (٢٦سنة) وما تعلم العلم إلا بعد ستة وعشرين سنة، دخل المسجد يصلي على جنازة لأحد الولاة، فلما دخل المسجد بعد صلاة العصر على رأي المالكية لا تصلي فقام فسنن، فقال له ابن دحنون: اجلس هذا وقت نهي، فجلس.

فأتى في اليوم الثاني في وقت الضحى وفي هذا الوقت تجوز الصلاة فجلس، فقال: قم فصل، قال: أمس تجلسني واليوم تأمرني بالصلاة، قال: لأنك لا تعرف من العلم شيئاً، قال: والله لأتعلمن علماً أرد عليك وأمثالك، فذهب فهجر بيته وقصره ووزارته وتعلم حتى أصبح من المجتهدين الحذاق في الأمة، فـ ابن حزم هذا رهيب عقلية جبارة، ويسمى منجنيق الأندلس، لأنه يرمي دائماً بالمنجنيق، لكن في كتابه رحمه الله أمور منها:

أنه سريع أي: إذا رد على العلماء يرد بقوة، وبشراسة، ونسأل الله أن يغفر لنا وله، يقولون: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان، فهو يرد على بعض العلماء في مسألة جزئية في الطهارة فيقول: هذا عبد أضله الله على علم.

ويأتي يرد في موطن ثان، فيقول: أعوذ بالله من الهلوسة.

وفي موطن ثالث يقول: هذا كلام المجانين.

والأحناف يقولون: الدم أو قدر النجاسة منه بقدر الدرهم البغلي، فيستهزئ ويقول: الدرهم البغلي هذا من بغال الكوفة أو من بغال البصرة.

الأمر الثاني: أن الرجل مؤول في صفات الله عز وجل، ونحن أهل السنة نمرها كما جاءت مع الإيمان بمعناها بدون تأويل، بينما هو لا يؤول في الفرعيات في الأحكام، يقولون: سال في موضع الجمود، وجمد في موضع السيلان، والواجب عليه أنه يترك الصفات ولا يتكلم عليها، وإذا أتى إلى الأحكام تكلم فيها، لكنه على العكس! إذا أتى إلى الأحكام جمد على الظاهر، وإذا أتت نصوص الأسماء والصفات تكلم.

الأمر الثالث: أنه نفى القياس ففاته ثلث الشريعة، يقول: لا نقيس، فمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في زكاة الفطر: {صاع من تمر، صاع من بر، صاع من شعير، صاع من أقط} وفي لفظ: {صاع من زبيب} قال: فقط من هذه الأشياء، فالربا عنده فقط في الربويات التي ذكر، ولا يجري القياس أبداً في المكيلات والموزونات أو المطعومات والمدخرات.

على كل حال! رحمه الله رحمة واسعة، ورأيت كاتباً في صحيفة من الصحف المحلية يستدل برأيه في الغناء ويقول: إنه جائز لأن ابن حزم أجازه، سبحان الله! يترك بعضهم ألف عالم، ويترك علماء القرون، ويذهب يبحث يبحث حتى يجد عالماً ثم يقع على خطأ فيه ويقول للناس: انظروا ابن حزم حلل الغناء والغناء خمر يسكر العقل، أترون أن الأغنية الواحدة يبقى فيها المغني سنة إلى ستة أشهر، يجري له فيها بروفات ويبقى ليلاً ونهاراً، فإذا أخرج الأغنية، قالوا: بلغ القمة ورفع رءوسنا أمام الناس، وقدم لنا خدمات، ويقولون: نحن -والحمد لله- مكتفين اكتفاءً ذاتياً من المطربين، ونستطيع أن نوزع على الناس ونصدر على شعوب العالم.

الثالث: كتب العقاد أيها الإخوة: كتب العقاد كثيرة ومنتشرة ولي عليها ملاحظات:

أولاً: قلة اعتنائه بالنصوص، فلا يورد آية ولا حديثاً! وكأن الرجل يكتب من مخيلته أو من كلامه.

الأمر الثاني: لا يحمد بعض تفسيره وبعض مقارناته في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يقارن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نابليون في عبقرية محمد، وقد أكرم الله رسولنا ورفع قدره عن نابليون.

ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

الأمر الثالث: ليس عنده حرارة إيمانية تتوقد، يقول: وقال محمد، ويذكر عن محمد، ويريد الرسول عليه الصلاة والسلام، سبحان الله! تتكلم عنه بهذه البرودة، ألست من أمته؟ ألست كاتباً من كتاب دعوته؟ فما هذا البرود؟ إنه من وصمات أهل الاستشراق، ومن أثر الغزو الفكري على كثير من الكتاب.

على كل حال! من أراد أن يقرأ فيها فلا بأس لكن ننبه على هذه القضايا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>