للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور الغزو الفكري]

السؤال الثامن عشر: ما هي صور الغزو الفكري؟

الجواب

من صور الغزو الفكري وهو من أساليب أهل العلمنة أمور:

الغزو الفكري في الإعلام، الغزو الفكري في التعليم، الغزو الفكري في مجتمعات الناس.

والغزو الفكري في الإعلام: هو أن يبقى إعلاماً سائباً لا موجهاً، إن قلت: حرام كله لا تستطيع، وإن قلت: حلال كله لا تستطيع، فهو إعلام يضيع القضية ويموه على الناس، ويوجد لهم بدل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، فالمسلسلات ساعة، والأغنية ساعة، والحوار ساعة، وهذا من الضياع وهو من أقوى أساليب الغزو الفكري الذي فتك بالأمة.

والغزو في التعليم صور: منها بعدم إعطاء الكتاب والسنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم مكانته، فالآن المدارس تجعل حصة القرآن هي السادسة وهي حصة في الأسبوع، فيخرج الطالب من الثانوية لا يعرف القراءة، بل قصار السور لا يحفظها، بينما لو سألته عن تاريخ فرنسا أو الجغرافيا أو عن عاصمة العواصم، أو عن المنتجات، أو عن المناخ والتضاريس يحفظه كالفاتحة!! فأي علم هذا!! من هو الذي خطط هذه المناهج؟ إنه غزو فكري، إنها حمله أهل العلمنة.

ومن صور الغزو الفكري: تهوين شأن الدين، حتى تجد بعض الآباء الآن لا يريد أن يدخل ابنه كلية الشريعة، يقول: أريد الطب والهندسة، أما مجالات الشريعة وأصول الدين فلا.

وأنا أعرف أن هناك فضلاء في الطب وأخيار وجهابذة نفع الله بهم، لكن لا يستزرون بالشريعة على حساب الطب؛ لأننا إذا أردنا قلنا لهم وأنتم كذلك في قسم الولادة، والأمة بحاجة إلى داعية وإلى عالم أحوج من طبيب في قسم الولادة، أي: أننا نستطيع أن نستقدم كل صنف إلا اثنين: (العالم الورع التقي الصادق، والجندي المسلم) فالمهندس تستطيع أن تستقبله، خذ لك من أي مكان من أمريكا، من بريطانيا، من الأرجنتين، خذ من أي مكان؛ فالأطباء بالعشرات، كل عشرة في حبل، أما عالم الشريعة والجندي المسلم فلا يستقدم، هذه قضايا أحببت أن أنوه عليها.

ومن أساليب الغزو الفكري: الهجوم على الدين تحت ستار الغيرة، فتجد بعض الناس يقول: شوهوا الدين علينا وهو يريد أن يهاجمهم في العلانية يمدح الدين، وفي الخفاء يقتل الإسلام، ووالله إني أعلم أن بعض الآباء وقف حجر عثرة في طريق ابنه لا يهتدي ولا يتوب ولا يصلي ولا يستقيم، وإني أعرف شباباً شكوا إليَّ من آبائهم، يقول أحدهم: إن أبي رفض أن أربي لحيتي وأن أقصر ثوبي، ورفض أن أتعاهد المسجد، وأن أمشي مع الطيبين، وأن أحضر المحاضرات والدروس، وهذا غزو فتاك، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠] وهذه صور كثيرة.

ومن الغزو الفكري: الإعجاب بالكافر، وتجد كثيراً من الأطفال يعرفون سير نابليون وهتلر وأمثالهم؛ لكن إذا سألتهم عن سيرة محمد عليه الصلاة والسلام أو سيرة أبي بكر أو علي أو عمر أو عثمان سكتوا؛ لأن التعليم قدم لهم الصورة هكذا

أنا رأيت مادة التاريخ في بعض المدارس وقد جعلوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان وعلي في أربع عشرة صفحة تقريباً، ثم أتوا ببقية التاريخ في أربعمائة صفحة تقريباً حتى أوصلوك إلى سليمان فرنجيه في بيروت وأين ولد؟ وكيف أكل؟ وماذا أفطر؟ ومتى وقع عليه الانقلاب؟

أهذا علم؟ أهذا تاريخ؟! وما علاقتنا بـ سليمان فرنجية أهلكه الله، وهل نحن محاسبون بكل ثورة قامت وانفصلت، وبكل حكومة وانقلاب؟!

ثلاث عشرة صفحة لا تصلح أن تكون ترجمة الرسول صلى الله عليه وسلم، انظر ماذا قالوا: ولد في مكة، حتى بوش يعرف أن محمداً صلى الله عليه وسلم ولد في مكة فهذا ليس بعلم، العلم هو المحصل! أما المعروف عند الناس فليس علماً وليس مقصوداً أصلاً.

وقالوا: عنده أربع بنات، يعرف الناس أن عنده أربع بنات صلى الله عليه وسلم.

قالوا: وهاجر من مكة إلى المدينة، وانتهت السيرة، لا.

أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما تحدث ابن القيم في زاد المعاد، أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم العابد المجاهد الصادق الوفي الخاشع الفاتح المنتصر الصابر الثابت الكريم الحليم.

أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يحج؟ {خذوا عني مناسككم} وكيف يصلي؟ {صلوا كما رأيتموني أصلي} أي: نعرض تاريخه صلى الله عليه وسلم في صورة العظمة فنقدمه للناس، ولذلك يتخرج الطالب من الثانوية لا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأحكام ولا عنده عاطفة إيمانية نحوه.

يقول أبو الحسن الندوي: " ما دبجت يد مسلم ككتاب زاد المعاد لـ ابن القيم رحمه الله ".

أيها الإخوة: إن من أسباب الغزو الفكري الذي منينا به هو تضخيم العلم المادي الأرضي المنحرف على العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن الكتاب الخالد والدستور العظيم مر بفترة من الضربات القاسية تلقاها من أهل العلمنة، يوم وضع القرآن حصة في الأسبوع وجعلت السادسة، فيقرأه التلاميذ وهم نائمون، فيتخرجون ما يجيدون قراءته.

وعرفت -والله- وقد مر بي هذا أثناء الطلب أنهم كانوا يخرجوننا في وقت القرآن للتمارين الرياضية حتى ما كنا نعرف كيف نقرأ القرآن؟ حتى أتينا إلى الشيخ عبيد الله الأفغاني، وكنا نعرف (طه والطبلة) كانت لطه طبلة يضرب عليها الخ كنا نحفظها غيباً وأناشيد بالكميات، وفي الجغرافيا نعرف عواصم ست عشرة دولة، ومنتجاتها وتضاريسها، والصادرات والواردات والعلاقات، نعرفها حفظاً، ولكن ما نفعتنا، سقطت بالتراب وبقي كتاب الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢].

وإنما قلت هذا؛ لأن معي أساتذة وطلبة علم، ولعل الإخوة يبلغهم هذا الكلام، فينقذوا تعليمنا في مادة القرآن والسنة مما وصل إليه، وإلا فإن الأمة سوف تمنى بضربة قاصمة لا تتصورها في معتقدها وفي جيلها وفي رسالتها الخالدة الموروثة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>