للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم طلب الدعاء من الصالحين]

أما المسألة الثامنة: فطلب الدعاء من الصالحين، هل لك أن تقول لرجل صالح: لا تنسنا -يا أخي- من دعائك؟ نعم.

ولكن بشرطين: -

الشرط الأول: أن يكون حياً حاضراً.

الشرط الثاني: أن يكون صالحاً.

فأما الحي: فيخرج الميت، فلا يجوز أن تذهب إلى مقبرة ولا إلى ميت وتقول: يا فلان! ادع الله لي، فإن فعلت ذلك فإنك إذاً لمن المشركين، فإن فعلت ذلك فقد خسرت حظك من الدنيا والآخرة وليس لك من خلاق يوم القيامة، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦].

والثاني: أن يكون حاضراً، فلا تقل لغائب، كأن يكون في الرياض أو جدة فتقول: يا فلان! ادع الله لي، فهذا لا يجوز.

والأمر الثاني: أن يكون الرجل هذا صالحاًَ، فلا تأتي إلى فاجر أو إلى كافر، أو إلى شيوعي ملحد، فتقول: لا تنسنا -يا أخي- من دعائك، وأي دعاء له عند الله؟! {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:٤٠].

فالكافر لا حظ له عند الله، ولا دعوة ولا قبول، ولا فتح، ولا رضا ولا عفو، وإنما غضب ولعنة ومحق وسخط والعياذ بالله، فلا بأس أن تقول للرجل الصالح: لا تنسنا -يا أُخي- من دعائك، فقد روى الترمذي عن عمر قال: {قلت: يا رسول الله! أريد عمرة - أي يستأذنه- قال: لا تنسنا -يا أخي- من دعائك}.

وابن تيمية يقول: وعلى طالب الدعاء الذي يطلب من أخيه؛ أن يريد نفع الداعي كذلك، فعليك إرادة منفعته، لأنه إذا دعا لك فإن الله يكتب له بقدر ما دعا لك، ويقول له الملك من السماء: ولك بمثل ذلك، ولك بمثل ذلك، ولك بمثل ذلك.

بل قال بعض العلماء: إن دعوة المسلم لأخيه أرجى من دعوته لنفسه، فإنها علامة الصدق والإخلاص، فإذا دعا لأخيه المسلم، قال الملك: ولك بمثل ذلك، وبالمناسبة إني أسأل الله لي ولكم المغفرة نقول: لا تنسونا من دعائكم ونحن -إن شاء الله- لا ننساكم، عسى الله أن يتغمدنا بفضله ورحمته ورضوانه.

السؤال

يقول أحد الإخوة -أنا ما أجبته إلا لضرورة ملحة وإلا فإنه سؤال أشبه بالشخصي- يقول: أنا متزوج والحمد لله، وزوجتي والحمد لله طائعة، ولكن أبوها يجبرها على أن تكشف على أولاد عمها، وأنا غير موافق ولكن إذا أوصلتها على أساس الزيارة أجبروها على ذلك، وهي الآن محتارة بين أن تطيع أباها أو أن تطيع زوجها، حتى إنها كرهت الحياة وتدعو الله بأن يقضي عليها بالموت، علماً بأننا ساكنون في قرية كثيرة الاختلاط -اختلاط الرجال والنساء- خاصة في المناسبات والأعياد وغير ذلك؟

الجواب

أولاً: ما فعلته الزوجة من أنها امتنعت عن الكشف على أبناء عمومتها فقد أصابت في ذلك، فلا يجوز لها أن تكشف عليهم لأنهم أجانب، ولا على أخي زوجها لأنه حمو، والحمو كما قال عليه الصلاة والسلام: الموت، ولا يجوز لها أن تجلس مع من لم يحل لها الجلوس معه، ولو كانوا أقارب، كأبناء الأخوال.

ولو أمرها أبوها أن تجلس معهم وتكشف عليهم فقد عصى الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليها أن تطيع الله ولا تطيع أباها في هذه المعصية، بل وتطيع زوجها لأن زوجها أمرها بالمعروف وأبوها أمرها بالمنكر، والذي ندعو الله أن يصلح هذا الأب، وأن يلهمه رشده، وأن يعطيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى علماً وفهماً لكتابه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠] {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:٣٣] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] وقوله عليه الصلاة والسلام: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} رواه أحمد بسند جيد.

وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تخلون امرأة برجل -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- إلا مع ذي محرم} فإذا علم هذا، فهذا هو الأمر والجواب، وقد أصابت وعليها أن تتقي الله وتطيع زوجها، وقد أحسنت صنعاً، وأما غضب أبيها فعليها أن تسترضيه بغير أن تطيعه في هذا الأمر، لكن تطيعه في طاعة الله، أما أن تطيعه في الكشف فلا طاعة له، ولو غضب فإن رضا الله مقدم على رضاه، وغضب الله أكبر من غضب أبيها، والله المستعان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>