للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نصيحة لرجل كبير السن مازال عاصياً لله

السؤال

نريد منك بعض النصائح المختصرة حول رجل كبير في السن وما زال مصراً على بعض المعاصي؟

الجواب

أشكر السائل على شعوره الطيب، وأثابه الله وأكرم مثواه وإياكم، وأما عن حال هذا الرجل الكبير في السن فأمر عجيب ونبأ غريب! الإنسان إذا شاب رأسه وشابت لحيته أتاه النذير.

الإنسان إذا احدودب ظهره وكلَّ بصره وسمعه وقلبه أتاه النذير.

الإنسان إذا فقد الشهية ظمأ إلى لقاء الله عز وجل.

الكبير إذا جاوز الستين كان عليه حقاً أن يشتري كفناً أو يتهيأ، فقد أصبح بينه وبين القبر قاب قوسين أو أدنى.

أحد الفضلاء من الأدباء كان فقيراً يجمع الأموال، يجمع ويجمع، فلما أصبح في الثمانين رزقه الله بمال كثير! فقال:

ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا رزقته بعدما بلغت سبعينا

قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا

يقول أطفاله: ما تتركنا ننام، تتأوه علينا في المنام، اتركنا ننام، من ماذا تشتكي؟ أظلمك أحد؟ قال: الثمانين.

أهجرك أحد؟ قال: الثمانين.

آذاك أحد؟ قال: الثمانين

قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أنه قال: {أعذر الله امراً بلَّغه ستين سنة} أي: انتهى العذر، يأتي يوم القيامة يقول الله عز وجل له: لماذا فعلت؟

قال: ما أمهلتني حتى أتوب! ما أمهلك وقد أصبحت بعمر ثلاثة حمير؟! الحمار يعيش عشرين سنة، وأنت عشت عمر ثلاثة حمير وما تبت؟! قال: والله لو أمهلتني سنة لكنت ترى ماذا أصنع!

سبحان الله! ستين سنة تجعل السفيه عاقلاً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان} شايب ويزني! ليته شاب؛ ولا يعذر الشاب؛ بل الزنا فاحشة! بل هو وصمة عار! بل هو ذنب! بل هو كبيرة من الكبائر! لكن

وكنت مع الصبا أهدى سبيلاً فما لك بعد شيبك قد نكثتا

مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا

والله لو أطعت الرحمن لما رجعت، عمره ستون ويزني! ستون ومخرف! ويرقص على الأغنية! ويسهر مع الشيشة والدخان والبلوت في المقهى! هذا مجرم، ما كأنه يريد الخير، ولكني لا أقصده لذاته وإنما أقصد من يفعل ذلك؛ لكي يتوب.

يذكر هذه القصة مثل صاحب الحلية وغيره، يقولون: كان رجل من بني إسرائيل عمَّره الله ثمانين سنة، أما الأربعين فصلح فيها أيما صلاح، أطاع الله، ثم أدركه الخذلان فعصى الله أربعين سنة، وأصبح شيبة، فالتفت إلى المرآة ورأى صورته وإذا به قد شاب

رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر

الشيب عجيب! الشيب نذير يقودك إلى القبر!

قال: يا رب! أطعتك أربعين سنة، ثم عصيتك أربعين سنة، أتقبلني؟

فسمع قائلاً يقول: أطعت الله فأحبك الله، وعصيت الله فأمهلك الله، وإذا عدت إلى الله قبلك الله.

ومع ذلك؛ فباب التوبة لا يزال مفتوحاً، فبعضهم تاب في التسعين، أصبح قاب قوسين منحني على عصاه، وكان في انحنائه على عصاه مجرماً ثم تاب، تداركه الله بتوبة قبل أن يموت بشهر أو بشهرين فتاب الله عليه، فالله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

وأنا أوصيك مع كبير السن بأمور:

أولاً: أن تنزله منزلته، فبعض الشباب إذا تكلم مع الشيخ الكبير كأنه يتكلم مع طفل، أما تدري أن هذا الشايب الكبير يظن أنه الإسكندر المقدوني أو فاتح الدنيا؟ فلابد أن تنزله منزلته، وتقول له: أنت أكبر تجربة، وأكبر عقلاً، وأكبر عمراً، ولكن ما رأيك حفظك الله في كذا؟

ثانياً: ألاَّ تجرحه وتنصحه أمام الناس، تدعو ضيوفاً وإذا اجتمعوا في المجلس تقوم وتقول: وأنت حفظك الله فعلت كذا يوم كذا وكذا هذا يزيده غلولاً وحقداً وغشاً ولا يقبل منك.

ثالثاً: أن تحاول أن تسلط عليه بعض الدعاة المقبولين، إما بداعية أو بكتاب أو بمصحف أو بشريط، أو بدعوة في ظهر الغيب، ثم اجعل الأمور لله ولا تيأس من روح الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>