للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طاوس بن كيسان]

وسوف أذكر قصتين لعالمين زاهدين عابدين من علماء الإسلام، أولهم طاوس بن كيسان، عابد ومولى من الموالي، ليس له أسرة عريقة من أسر العرب، ولكن رفعه الله بالتقوى والعلم، كان زاهداً من علماء اليمن من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، وطاوس بن كيسان راوية ثبت ثقة إمام، بل زاد بعضهم في صفته: ثبت ثبت، إمام حجة، لا يسأل عن مثله.

ذهب إلى اليمن فكان يقول الحق ولو كان مراً، دخل على محمد بن يوسف -أخي الحجاج بن يوسف الثقفي وكان ظالماً غاشماً مارداً سفاكاً للدماء- فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فأعطاه مرة كساءً فأخذه من على رأسه، ووضعه تحت أرجله في الأرض، فقال: مالك؟

قال: ما أتيتك لتكسوني، وإنما أتيتك لآمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر.

قال له: وهل عندي منكر؟ قال: الظلم فاشٍ، أي: منتشر.

ذهب إلى بغداد - دار السلام - ليقابل أبا جعفر المنصور وأبو جعفر لا يسأل عن مثله، أدهى دهاة ملوك الأرض، حتى قال الإمام أحمد: من مثل ابن أبي ذئب كلَّم أبا جعفر، وأبو جعفر هو أبو جعفر؟

بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر

قال تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر

دخل طاوس عليه، وكان على أنفه ذباب فأقلقه، ترك المواضع كلها، ترك السكر، والحلوى، ولا يقع الذباب بحفظ الله ورعايته إلا على أنف هذا السفاك، الذي يذبح الملوك مثل ما يذبح الدجاج، فيترك الذباب الأمراء والوزراء والعلماء ويأتي يقع على أنفه، فأخذ أبو جعفر يذب الذباب، فيطير ويقع على أنفه، قال: يا طاوس! عندي سؤال؟

قال: ما هو سؤالك؟

قال: لماذا خلق الله الذباب؟

قال طاوس: يا أمير المؤمنين! خلق الله الذباب ليذل به أنوف الطغاة!

وهذا أحسن جواب سمع في التاريخ

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:٧٣] قال أهل العلم: لو أخذ الذباب شيئاً من الطعام ما استطاع أهل الأرض أن يتخلصوه منه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>