للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أهل الحسبة في الإسلام]

أهل الحسبة اختفوا إلا قليلاً في هذا العصر، تعريفهم كما قال أهل العلم: هم طائفة من المؤمنين جندوا أنفسهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير طلباً للأجر من الله تعالى وإصلاح العباد والبلاد.

هذه مواصفاتهم، ليس عندهم ألغاز ولا أحاجي ولا دنميت، عندهم إصلاح الناس، يأخذون الإنسان من الخمارة ومن البارة إلى طريق الجنة، يأخذون الإنسان التائه الضال العربيد المغني الراقص بدلاً من أن يضل المسلمين ويطيل ويرقص ويدقدق، يقولون: هذه طريق الجنة، وصلِّ الخمس، بدل أن يجلس على الشاطئ يغازل بنات المسلمين يقودونه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هؤلاء هم أهل الحسبة، ولا يلزم أن يكونوا موظفين وعندهم بطاقات، بل يلزم أن يكون عندهم شيء من الفهم والعقل والخوف من الله والإخلاص، هؤلاء هم أهل الحسبة.

وأعظم من اشتغل في الحسبة أصحاب الرسول عليه الصلاة السلام، ومن التابعين سعيد بن المسيب: كان ينزل إلى أسواق المدينة وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة إلى أن وصل الحال إلى شيخ الإسلام فأعلن الحسبة بطائفة معه من الناس، فكان ينزل إلى سوق دمشق ويأمر ويقيم الحدود؛ لأنه وجد في عهده من لا يقيم الحدود، فقام بنفسه وأقام الحدود، فكان خطيباً على المنبر وداعيةً وواعظاً ومفتياً ومجاهداً وزاهداً وعابداً.

هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله

ينزل إلى السوق مع مقصه إذا رأى طويل الشوارب تصدق وتبرع عليه وقصها، قال: هذا خلاف السنة، مر في السوق، فوجد نصرانياً يتكلم في الرسول صلى الله عليه وسلم فتقاتل هو وإياه وارتفعت القضية إلى السلطان فجلد ابن تيمية، لكنه جلد في سبيل الله.

إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم

دخل التتار وهو في غرفته قرب سوق دمشق فخرج وشرب في اليوم السابع عشر من رمضان كأساً من الماء، وقال لأهل دمشق: اشربوا الماء، وأفطروا، فالعدو أقبل، يجب عليكم وجوباً أن تخرجوا للجهاد، خرج وأخذ السيف وسله وقاتل، حتى يقول بعض الناس: سمعت شظايا كسار سيف شيخ الإسلام في معركة شقحب من على رءوس الناس، أي عالم هذا العالم؟! أي إنسان هذا الإنسان؟! الحقيقة بالغنا فيه، لكن حبك الشيء يعمي ويصم.

يقولون لـ ابن الجوزي: أنت تحب أحمد أكثر من اللازم، يعنون أحمد بن حنبل فقال على المنبر:

أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب

وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب

.

<<  <  ج:
ص:  >  >>