للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حملة كلمة التوحيد]

كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله من حملها؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، حملها بدمه وبدموعه وبجراحه وبوقته وبجهده، حملها والدنيا كل الدنيا تتحداه، فأوقف قدمه ورفع يده وقال للشرك: {والذي نفسي بيده لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه}.

أمانة الكلمة: يحملها يوسف عليه السلام الصديق ابن الصديق، الكريم ابن الكريم ابن الكريم، في الحبس وداخل الزنزانة يسأل عن فتيا ورؤيا، فلا يجيب عن الرؤيا ولا عن الفتيا حتى يقول: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:٣٩].

فإذاً الله معه، وإذا هو ملء جوانحه وملء إدراكه وجفونه ومعتقده، فقبل أن يجيب وأن يفتي فإنه يوضح لمن يسأل عن الرؤيا العقيدة الإسلامية الخالدة، التي ترافق المحبوسين في حبسهم، والمسجونين في سجنهم، وأهل المعاناة مع معاناتهم، والتجار في تجارتهم، والفلاحين في فلاحتهم، والأساتذة في مدارسهم، والعلماء في مجامعهم، وكل أحد ترافقه كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا يوسف وهو محبوس ينبعث منطلقاً مشتعلاً بلا إله إلا الله، وإذا هو ينادي إلى معتقد التوحيد الأول الذي نادى به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

ومؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، ولكنه ينبعث في فجوة من فجوات الغيظ والمعاناة فيقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:٢٨] وهي أمانة لا بد أن يحملها الإنسان يوم أن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، يسأل عنها، فإذا هو أمام الله قد أدى أمانته، وقد سلم جهده، وقد برئت عهدته إذا هو قام بها.

ليست الحياة التي يتصورها السادرون المخمورون؛ حياة الأكل والشرب، والشهوة، والظهور، والشبهة، والسيارة، والوظيفة، والقصر، والحديقة، والمنصب، لا:

خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا

فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

أتى الطفيل بن عمرو الدوسي من زهران إلى محمد صلى الله عليه وسلم يسمعه يشعُّ بلا إله إلا الله، يسمعه يتفجر بلا إله إلا الله، يسمعه يحيي القلوب بلا إله إلا الله، قال: يا رسول الله! ادع الله على دوس، كفرت دوس، عصت دوس يقصد قبيلته، فأتى الرحيم العطوف الحنون صلى الله عليه وسلم ذو الخلق العظيم فرفع يديه، قال الطفيل: هلكت دوس! وظن أنه سوف يسحقها بكلمة يبيدها عن بكرة أبيها، فقال: {اللهم اهد دوساً وأت بهم} فانطلق داعية مؤثراً، فأسلموا عن بكرة أبيهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>