للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدواوين عند الله ثلاثة]

{إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها} أي: قدمها رويت أَزْلَفها، وهي بمعنى قدمها، فإذا غفر الله له كل سيئة في الجاهلية كان قدمها، كان بعد ذلك القصاص، أي كلما عمل من حسنة وسيئة وهو مسلم كان القصاص عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:٤٩] ميزان للحسنات وميزان للسيئات، والدواوين عند الله ثلاثة:

الأول: ديوان يغفره الله عز وجل: وهو ما كان بين العبد وبين الله عز وجل وتاب منه.

الثاني: ديوان لا يغفره الله أبداً: وهو الشرك بالله عز وجل، هذا لا يغفره سُبحَانَهُ وَتَعَالى أبداً، بل يدخل صاحبه النار، ولا يأبه بعمله، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣].

الثالث: ديوان يتعلق بمشيئة العبد: وهي ذنوب العباد بين بعضهم البعض، الغيبة وظن السوء واغتصاب الأموال، وسفك الدماء، هذه تحت مشيئة العباد، إن عفوا عفا الله، وإن سامحوا سامح الله، وإن أبوا فإن الله يقتص من بعضهم البعض، فهذه الدواوين عند الله عز وجل.

وكان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها، فضلاً من الله، وجوداً وكرماً إلى سبعمائة ضعف، وفي رواية ابن عباس الصحيحة: إلى أضعاف كثيرة؛ لأن الله عز وجل يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦١] إلى أضعاف كثيرة قد يضاعفها الله إلى أكثر من سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها جوداً وكرماً من الله.

فالذنوب التي نحدث بها أنفسنا ولم نعملها يكتبها الله حسنة كاملة، وإذا عملناها كتبها الله سيئة واحدة، وانظر إلى لفظ كاملة وواحدة، واللفظ واحد، لكن هذه بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجذب للأرواح واستقطاب للقلوب إلى الله عز وجل، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله تبارك وتعالى.

فيا لسعادة من يدخل هذا الدين؛ ويعتنق هذه الشريعة السمحة؛ ويواصل السير إلى الله ولن يهلك على الله إلا هالك، وليتدبر المسلم منا الآن، يجد أن يومه حافل بالسعادة إذا داوم على الصلوات الخمس في جماعة، وداوم على الوضوء وقراءة القرآن والذكر والاتصال بالله؛ سوف يجد أنه لن يهلك على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلا هالك.

هذا الحديث الذي زفه النبي صلى الله عليه وسلم بشرى للأمة، وأخبرنا أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى صاحب المن والعطايا وهو صاحب الجود والإحسان تبارك وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>