للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نعيم بن مسعود الداهية الأريب والدبلوماسي الناجح]

فهذه من كلمات بعض أهل العلم في هذا العصر؛ يتحدثون عن أحد الناس الذين شتتوا كلمة المشركين، فـ نعيم بن مسعود مسلم من غطفان، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أسلمت، وإن لي رأياً ومكيدةً في الحرب، فهل تأذن لي أن أشتت كلمة المشركين، وأن أقول في غيابك ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: خذل عنا ما استطعت، أي خذل في صفوف المشركين في صالح الإسلام ما استطعت.

فذهب هذا الإسلامي الأريب الداهية إلى المشركين، فأتى كل قبيلة على حدة، ظاهره النصيحة، وباطنه يريد أن يفت في عضدهم ويشتت شملهم، فذهب إلى كفار قريش فقال: أما ترون أني أخوكم وأني ناصحٌ لكم؟ قالوا: لا نتهمك، قال: أرى أن اليهود سوف يقولون لكم إذا نزلتم في المدينة، لا نقاتل معكم حتى تعطونا أسرى من أشرافكم، وقصدهم أنهم يذبحونهم أو يقدمونهم لمحمد لأنهم اتفقوا مع محمد وقد لاموا أنفسهم على حربه وقالوا: إذا أتانا المشركون فسوف نأخذ من أعيانهم أناساً ونعطيك إياهم فداءً فاقتلهم وارض عنا، قالوا: أصبت ونصحت وأجدت، وهذا العهد بك.

ثم ذهب إلى غطفان وقال: يا غطفان! أنا أخوكم وصديقكم ولا تتهموني، قالوا: لا نتهمك أنت الناصح، قال: إن اليهود سوف يأخذون من أشرافكم أناساً ويطلبونكم أسرى؛ فلا تعطوهم أسارى فإنهم سوف يعطونهم محمداً يقتلهم لأنهم ندموا، قالوا: أجدت وذلك العهد بك.

ثم ذهب إلى اليهود وقال: يا بني قريظة! أنا صاحبكم وأخوكم، قالوا: صدقت لا نتهمك، قال: فإن قريشاً وغطفان سوف يقاتلون محمداً ثم يذهبون، ويتركون الدائرة عليكم فيقتلكم ويسبي ذراريكم، فأرى أن تأخذوا من أعيانهم أسارى، وتأخذوا من وجوههم أناساً، ليكونوا أسارى عندكم حتى يقاتلوا معكم إلى آخر المعركة، قالوا: ذاك الرأي ولا نتهمك.

فالتقوا جميعاً فبدأت اليهود تقول: أعطونا من أعيانكم، فقالت قريش: صدق نعيم بن مسعود يا أعداءنا! أو كما قالوا، وقامت غطفان وقالوا: نصحنا نعيم بن مسعود، فأخذوا يتحاثون بالتراب ويتسابون ففت الله في عضدهم.

ولذلك المكيدة جائزة ضد أعداء الله عز وجل، والحرب خدعة، ولك أن تخدع أعداء الله عز وجل، أو كل كافرٍ ومنافق بما للإسلام صلاح، وأن هذا ليس من النفاق، ولا يعد من الذنوب وإنما يعد في الصالح العام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>