للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طرق تناول القرآن لليوم الآخر]

يقول بعض العلماء: إن القرآن يتناول قضية اليوم الآخر على ثلاثة أضرب: إما بضرب الأمثلة، وإما بالابتداء الجازم، وإما بالقصص.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في مجلس مع قوم من الناس، فقدم العاص بن وائل بعظم يحته في يديه ثم نفخه، وقال: {يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن يميته؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ويدخلك الله النار، ثم أنزل الله قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩]}.

وضرب الأمثلة: هو أن يضرب الله عز وجل من حياة الناس ومن استقرائهم وسبرهم ما يرونه عياناً بياناً أمامهم يدلهم على اليوم الآخر، وكثير من الناس يؤمن لكن إيمان الظن أن الله سوف يبعث من في القبور، لكن هذه القضية لو آمنا بها حق الإيمان ما كذبنا ولا غششنا ولا احتلنا ولا خادعنا ولا تأخرنا عن الصلوات ولا أكلنا الربا ولا فشا فينا الزنا، ولا جعلنا مجالسنا مسارح للغيبة، ولا هتك بعضنا عرض بعض، ولا أساء جار إلى جاره ولا أُخِذَت حقوق الناس، ولا سُلِبت أموالهم لأن هناك يوم آخر.

قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والذي نفسي بيده لولا اليوم الآخر لكان غير ما ترون]].

أي: لتغيرت الموازين ولسطا القوي على الضعيف ولهتك الظالم عرض المظلوم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يقرر قضية الطامة الكبرى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:٩ - ١١] ثم يقول الله بعد ذلك: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:٦] وهذه من قضية الاستقراء وضرب المثل.

وأما التقرير بالقصص في البعث والنشور، فيا لقصص القرآن من قصص! يقول بعض أهل السير: دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه المسجد في خلافته وبيده درة -قطعة عصا يخرج بها شياطين الجن من بعض الرءوس- وإذا برجل كبير في سنه يحدث الصحابة على كرسي من خشب في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: من هذا؟ قالوا: قاص.

قال: بماذا يقص؟ قالوا: يقص على الناس من كتب دانيال -وهو رجل عاش في قدم التاريخ وهذه القصص من أساطير الأولين وفيها خرافات- فأخذ عمر درته وتقدم إلى الرجل يضربه على رأسه ويقول: ويلك يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:٣] وأنت تقص قصصك على الناس؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>