للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حال الملوك عند الموت]

دفن الخليفة العباسي المهدي وقد كانت ميزانيته كما يقول الذهبي: ثلاثمائة ألف ألف دينار في خزائنه، ثم سلب في صباح يوم باكر قال بعض المؤرخين: إنه شرب ماء بارداً فشرغ بالماء وغص به، وعنده الأطباء مثل ابن بختيشوع وأطباء الدنيا، ولكن:

مات المداوى والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى

فمات على فراشه والوزراء على رأسه والعلماء والأطباء والأمراء، يقولون: إنه كان يقول وهو يشرغ: أأموت الآن؟ قالوا: نعم تموت.

فحملوه إلى المقبرة قال أبو العتاهية:

نح على نفسك يا مسكيـ ـن إن كنت تنوح

يقول: الذي يبطح الرجال له يوم يبطحه الله على رءوس الرجال، فهذا البطاح الذي كان يبطح الملوك في الأرض بطحه الله

كل بطاح من الناس له يوم بطوح ستر الله بنا أن الخطايا لا تفوح

وأتى ابنه هارون الرشيد فبنى قصراً عظيماً في الرقة، وستره بالستور وجعل فيه الحدائق والزهور وأجرى فيه الماء، وأخذ فيه الحيوانات والطيور، ثم قال للشعراء: ادخلوا وامدحوا القصر؛ فدخل أبو العتاهية بين الشعراء فقال لـ هارون الرشيد:

عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور

قال: هيه (زد).

قال:

يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور

يقول: بما تريد من الدنيا من المطعومات والملبوسات والمفروشات أنت في راحة.

قال: هيه.

قال:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور

قالوا: فخلع الستور، ونزل من القصر، وسكن بغداد.

يقول الوليد بن عبد الملك وهو في سكرات الموت ويلطم وجهه ويقول: يا ليت أمي لم تلدني {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٧ - ٢٩] لكن أهل التقوى وأهل البصيرة وأهل الولاية لا يقولون ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>