للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رقة قلبه صلى الله عليه وسلم مع القرآن]

روى ابن أبي حاتم في تفسيره: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ربما خرج في بعض الليالي ليستمع القرآن في بيوت الأنصار، يوم كانت بيوت الصحابة تشغل بالقرآن، ويوم كانوا يعيشون ساعات الليل في تدبر آيات الله الواحد الديان، ولا يشغلهم القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة الوقت في الترهات والأغنيات والسخافات عن ذلك، يوم كانوا رهباناً في الليل شجعاناً في النهار، فرساناً لرفع لا إله إلا الله يوم يحمى الوطيس.

خرج عليه الصلاة والسلام فسمع امرأة عجوزاً تقرأ سورة الغاشية، فوقف عند بابها وجعل رأسه على الباب، وهو يستمع إليها وهي تقرأ وتردد وتبكي -عجوزاً فأين شباب الإسلام؟! عجوز فأين فتية الحق؟! عجوز فأين شباب الصحوة؟ - {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] من هو المخاطب؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول الله له: يا محمد! هل أتاك حديث الغاشية، أي: أما أتاك أن يوم القيامة حديث عجيب، ونبأ غريب، وحدث جلل.

فأخذ يبكي ويقول: {نعم أتاني} كلما قالت: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] قال: نعم أتاني، إلى هذا الحد يتأثر عليه الصلاة والسلام بالقرآن، فهو كتابه الوحيد الذي تركه للأمة مع السنة المطهرة.

وفي الصحيح أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى أبي المنذر أبيّ بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، الذي جعل وقته لتعليم القرآن، فهو أقرأ الأمة بلا شك، فقال له صلى الله عليه وسلم: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة:١] فيقول أبيّ بن كعب في ذهول: أو سماني لك؟! -أي: سماني الله من فوق سبع سماوات لك، كأن لسان حاله يقول: من أنا حتى أُسمى في السماوات السبع، من أنا حتى يسميني الله عز وجل- قال: نعم} فذرفت عينا أبي وأخذ يبكي تأثراً بهذا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>