للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تذكيره بنعم الله عليه]

ثم أخذ الله عز وجل يعيده لتاريخه، ولسجله الأول، ولأيامه الأولى، فقال: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [طه:٣٧] يا موسى! لا تنس نعم الله ومننه عليك.

{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٨ - ٣٩].

فيها مسائل: وهي قصة طويلة، لما ولد موسى ولد في العام الذي يقتل فيه فرعون أطفال بني إسرائيل، وكان موسى إسرائيلياً من بني إسرائيل، فخافت أمه أن يقتله فرعون، فجعلته في ألواح من خشب -تابوت- وربطت هذه الألواح، وأنزلت التابوت في اليّم، قيل: في نهر النيل، وربطت الخيط في بيتها، فإذا ذهب حرس فرعون، سحبت التابوت وأرضعته، فإذا اقتربوا أنزلته، وربطت الحبل في بيتها.

ومرة من المرات ذهب جنود فرعون -الذين يبحثون أطفال- فسحبت الحبل، فانقطع الحبل من التابوت فأتى الحبل بلا تابوت فخرجت وقلبها يكاد يطير، وأصبح فارغاً كاد يخرج من بين جنبيها، ونظرت في اليمّ فلم تجده، وساقه اليم -بإذن الله- حتى أدخله في مزرعة وبستان فرعون في القصر، تفر به أمه من أن يلاحق، فيقع في قبضة المجرم، وأتت جواري فرعون، فرأين التابوت، ففتح فوجدوه غلاماً من بني إسرائيل، فأرادوا ذبحه، فتدخلت آسية عليها السلام {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:٣٩] قال أهل الأثر: ما رآك أحد إلا أحبك، سبحان الله! {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩].

{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} [طه:٤٠] لما وضع عند فرعون، أرادوا إرضاعه ليتبناه فرعون، فأرادوا أن يربوه، فعرضوه على كل ثدي، فأبى أن يرتضع، قالت أخته -وكانت قريبة من قصر فرعون-: أتريدون أن أدلكم على أهل بيت يرضعونه لكم؟ قالوا: نعم، فذهبت إلى أمه وقالت: وجدت امرأة ترضعه، فلما وضعوه على ثديها رضع بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأصبح فرعون يدفع الأجرة لأم موسى على إرضاعه زيادةً على ذلك! {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [طه:٤٠].

ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا تنس يا موسى، لا تظن أنا نسينا {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه:٤٠] حميناك، ورعيناك، وكفلناك، وآويناك، وأشبعناك، وسقيناك، فتذكر نعمة الله عز وجل {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [طه:٤٠] عشر سنوات؛ لأنه قال: ثمان سنوات، أو عشر، قال ابن عباس: [[قضى أجملهما وأحسنهما وأكملهما]] {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه:٤٠] أي: جئت بقضاء من الله وقدر، {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١] ربيتك لتكون رسولاً لي تبلغ دعوتي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>