للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العفو]

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] ومن عفا عن مظلمة أورثه الله عزاً في الدنيا والآخرة, وأن تعفو عمن ظلمك كما عفا عليه الصلاة والسلام عمن ظلمه, قال لهم: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} أتاه أبو سفيان بن الحارث ابن عمه الذي قاتله وحاربه وسبه وشتمه فقال: {يا رسول الله {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:٩١] فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام وقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٩٢]}

هذا العفو فلا بد أن نعفو, والذي يحاد الناس, ويضايق الناس يضايقه الله عز وجل, يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} هذا هديه عليه الصلاة والسلام.

والدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, يقول ابن كثير وغيره من المؤرخين: كان لـ ابن الزبير مزرعة في المدينة ولـ معاوية مزرعة بجانب مزرعة ابن الزبير , وكان بين معاوية وبين ابن الزبير شيء، فـ معاوية خليفة ملك, وابن الزبير من الرعية عابد عالم, فدخل عمال معاوية في مزرعة ابن الزبير فغضب وكتب رسالة حارة إلى معاوية , رسالة تقطع القلوب, يقول: "يا بن آكلة الأكباد: إما أن تمنع عمالك من دخول مزرعتي, أو ليكونن لي ولك شأن" فقرأ معاوية الرسالة وإذا هي حارة, من رجل من الرعية وهو ملك, فقال لابنه يزيد: بماذا ترى أن نرد عليه؟ قال يزيد -وكان جاهلاً غشوماً ظلوماً-: أرى يا أبتي أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك حتى يأتوا برأسه, قال: بل أقرب من ذلك صلة وأقرب رحمى, فكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن أبي سفيان إلى ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام! يا بن ذات النطاقين! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمَّا بَعْد:

فوالله الذي لا إله إلا هو لو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت عليّ وعليك, فإذا جاءك كتابي هذا فخذ عمالي إلى عمالك ومزرعتي إلى مزرعتك, وهي قليلة في حقك يا بن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام".

فقرأها ابن الزبير فبكى حتى بلها بالدموع, وذهب إلى دمشق فقبل رأس معاوية وقال: "لا أعدمك الله عقلاً, أحلك في قريش وفي هذا المحل".

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤] تتجلى أخوتنا -أيها المسلمون- واقعاً وعملاً يوم نصلي سوياً في المساجد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>