للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قتال أبي بكر لمانعي الزكاة]

أتى أبو بكر رضي الله عنه إلى الناس يوم الجمعة في المسجد -لأنه يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم فكان يجعل المسجد للأمور المهمة وللدعوة وللعلم وللشغل العسكري- فكان يكلم الناس في حال هؤلاء المرتدين, وماذا يفعل معهم, ثم أكمل رضي الله عنه خطبته، وصلى بالناس، ثم عاد إلى المنبر، فقال: [[إني رأيت أن أقاتلهم.

فقام عمر رضي الله عنه وقال: كيف تقاتل من قال لا إله إلا الله وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله}]] الحديث الذي استدل به عمر لم يذكر فيه إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهو حديث ثابت.

حتى يقول ابن حجر وابن تيمية رحمهما الله: ربما لم يتذكر أبو بكر هذا الحديث، أو أنه لم يسمعه رضي الله عنه، فإن العالم قد يخفى عليه بعض أمور العلم، وبعض المسائل، وإن كان أعلم من غيره في الجملة، فـ أبو بكر أعلم من عمر وابن عمر، ومن كثير من الصحابة في الجملة, لكن خفي عليه هذا، فاستعمل القياس رضي الله عنه وأرضاه، فقال: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال]].

قال ابن حجر: "هذا من استعمال القياس، وهو وارد، وفيه رد على من أنكر القياس".

فقام عمر فأنكر على أبي بكر رضي الله عنه.

فقال أبو بكر للناس: ما ترون؟ قالوا: نرى ألا نقاتلهم، فقال أبو بكر: [[والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه]].

عجيب! كل المسجد من الصحابة من المهاجرين والأنصار يجمعون على رأي، وأبو بكر رضي الله عنه على رأي واحد، ويصبح الحق والصواب مع أبي بكر رضي الله عنه!

قال عمر: [[فتأملت أن الله عز وجل ما شرح صدر أبي بكر رضي الله عنه إلا للتي هي خير، فقمت فأيدته، فقام الناس، فأيدوه]].

لأن الله عز وجل ثبته وسدده، وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار إلا أحسن وأتقى الناس لله عز وجل ويقدمه في الصلاة.

حتى يقول عمر: [[والله لئن أتقدم في غير حد من حدود الله، فتضرب عنقي، لكان أهون علي من أن أتقدم بقوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه]] لأنه يعرف حقه، خلافاً لما تدعيه الشيعة -الذين يقول فيهم ابن تيمية: قاتلهم الله، لو كانوا من الوحوش، لكانوا حمراً -يعني حميراً- ولو كانوا من الطيور، لكانوا رخماً- يقولون: أنه اغتصب الخلافة غصباً.

يقول علي - كما ثبت في الصحيحين - على منبر الكوفة يوم الجمعة: [[والله لا يأتي أحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري]] ثمانين جلدة؛ لأنه كذاب على الله، وعلى رسوله، وعلى المؤمنين.

فـ أبو بكر رضي الله عنه رأى قتالهم، ثم أرسل خالداً إلى أهل اليمامة، وإلى كذابهم العنيد المجرم الدجال مسيلمة، فلما وصل الجيش إلى هناك قاتلهم خالد رضي الله عنه، ومر بطريقه فأخذ سادات فزارة من غطفان منهم عيينة بن حصن، وأدخله في المسجد كرهاً حتى أدخله ملبداً في عمامته.

هذا الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {ائذنوا له بئس أخو العشيرة}.

وكان مسلماً ذاك الوقت، لكن عليه الصلاة والسلام كأن عنده خبر أن هذا الرجل سوف يفعل شيئاً، فلما مات صلى الله عليه وسلم ارتد، فأدخله خالد، وهو ملبد في العمامة يقوده أمام أبي بكر، فقال أبو بكر للمرتدين: [[اختاروا واحدة من اثنتين: إما حرب مجلَّية، وإما سلم مُخْزِية.

قالوا: يا خليفة رسول الله! -الآن عرفوا خليفة رسول الله بعد سيف أبي سليمان خالد بن الوليد - ما هي الحرب المجلية؟ وما هي السلم المخزية؟

قال: أما السلم المخزية: فتسلمون سلاحكم وعتادكم، وتبقون معنا كالحريم وكالنساء، لا تحضرون قتالاً، ولا لكم حظ في الفيء.

وأما الحرب المجلية: فهي أن نخرج لكم وتخرجون لنا مرة ثانية، فمن ينتصر، فليأخذ الأمر.

فقالوا: بل سلم مخزية]] فبقوا في الإسلام، ولكن بعضهم ربما أدخله أبو بكر وعمر باستثناء في أمور الحروب.

الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة} فكيف غاب هذا الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه؟

قال أهل العلم: إما أنه لم يسمعه رضي الله عنه، ويعذر في ذلك، فإن الصحابة ليس هناك أحد - كما يقول الشافعي في الرسالة - ما هناك أحد من الأمة جمع السنة كلها، وقد يجمع العالم غالب السنة، لكن تفوته بعض الأمور.

الأمر الثاني: يمكن أن أبا بكر رضي الله عنه سمع بهذا الحديث، لكن نسيه مع الغضب، ومع أمور المعركة، أو نسيه غفلة وهي التي تعتري البشر، وذكَّره ابن عمر رضي الله عنه فيما بعد في آخر حياته رضي الله عنه بهذا الحديث، فسكت رضي الله عنه وأرضاه، ولو أن هذا الحديث معه، لعرضه على الناس، لكنه استخدم القياس، فقال: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة الزكاة؛ فإن الزكاة حق المال]] فاستخدم القياس، وترك النص رضي الله عنه؛ لأنه لم يبلغه، أو نسيه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>