للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى الغرة والتحجيل في الوضوء]

قال صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً} الغرة: هو البياض في وجه الفرس, تقول العرب للفرس: الأغر، إذا أتى البياض في وجهه مستديراً أبيض وباقي جسم الفرس أسود أو أحمر, وإذا أتى في يديه ورجليه، قالوا: أغر محجل, فيقول صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين} لأننا نتوضأ ونغسل وجوهنا, فمكان الوضوء الذي يصله الماء يأتي يوم القيامة أبيض كالبدر, من كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم, أما الأمم الأخرى فتأتي عادية, اليهود ألوانهم تعرف فلا يأتي عليهم غرة, والنصارى ليس عندهم تحجيل, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذه أمته، فيستدعيهم ويرحب بهم صلى الله عليه وسلم، ويردهم الحوض المورود، ويسقيهم عليه الصلاة والسلام.

يقول صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء} أي: على أثر الوضوء, أو بسبب الوضوء, ثم قال: {فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} وكأن كلمة (من استطاع أن يطيل غرته فليفعل) من كلام أبي هريرة , قال بعض الحفاظ من المحدثين: كلمة (من استطاع منكم أن يطيل غرته) من كلام أبي هريرة!

أي: ليست من مشكاة النبوة، إنما من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه.

وكان أبو هريرة إذا حدث في بعض الأحاديث وزاد فيها قال: هذه من كيسي, وهكذا ذكرها أهل التراجم مثل صاحب كتاب الدفاع عن أبي هريرة.

فالمقصود من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يندبنا إلى أن نعتني بالوضوء ونكمله, وأن نحرص على هذه الشعيرة؛ لأن الغرة تأتي على قدر ما في الوجه {محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل}.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} قيل: أنه يطيل ويبالغ في الغرة أو يوسعها؛ كأن يتوضأ إلى الكعب، وقال بعض أهل العلم: ليست الغرة في الوجه إنما الغرة في اليدين والرجلين، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته في يديه ورجليه, لكن التحجيل في اليدين والرجلين والغرة في الوجه, لكن هذا كأنه من حمل بعض الشيء على بعض, ومقصود أبي هريرة أن من استطاع منكم أن يطيل غرته، أي: يبالغ في الوضوء, ويزيد هنا وهنا, فعليه أن يفعل, وهذه السنة كان يفعلها أبو هريرة رضي الله عنه.

قال نعيم المجمر: رقيت مع أبي هريرة على سطح المسجد، فرأيته يتوضأ فرفع ثيابه حتى بلغ الكتفين، ثم توضأ إلى العضدين, قال: فسألته, فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا ًمحجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل}.

ما هو موقف أهل العلم من رواية: {من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} هل هي معتبرة أم لا؟

الصحيح أن هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفعه عن الكعبين والمرفقين, لكن ما كان يبلغ به الكتفين عليه الصلاة والسلام, وهذا من فعل أبي هريرة , فنحن نأخذ بما رأى، أي: بما نقل إلينا من الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا نأخد بما رآه هو أو بما استنبطه ووجده واستنتجه من النص, لأن كثيراً من الصحابة يروون أحاديث ويفسرونها، فنأخذ بالرواية ولا نأخذ بالتفسير إلا إذا كانت صحيحة.

يقول شاعر الشام يمدح الوضوء وأهل الوضوء:

توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

بلال مات رضي الله عنه, لكن يقول: قل لبلال قلبك إذا توضأت وأنت على الفراش، والنوم على أجفانك، وسنة النوم تداخل في كراك, وأنت تسمع داعي الله على المآذن، والبرد شديد وقارس, والفراش وثير، واللحاف دفيء وتسمع: (الله أكبر) والشيطان يقول: نم, فتريد أن تقوم, فيقول: نم, فتريد أن تقوم, والشيطان يقول: نم, فيقول الشاعر:

وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>