للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من الذين لا يخافون الله وما حل بهم]

كم رأينا من أناس كتبوا فما خافوا الله، كتب أحدهم إلحاداً وزندقة يوم نسي الله فأنساه الله نفسه.

يقول أحدهم يخاطب الأمة العربية، والأمة العربية بلا إسلام أصفار، والأمة العربية بلا دين بادية مضمحلة في ثياب من الغنم، والأمة العربية بلا لا إله إلا الله محمد رسول الله أمة مهزومة فاشلة، يوم دخلت الأمة العربية بدون لا إله إلا الله محمد رسول الله ساقها اليهود وساقوا كتائبها في سيناء وفلسطين وفي كثير من بقاع الدول العربية، ساقوها بطائراتهم.

فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا تحدت ناره الخطب

إذا تبدت لنا الميراج تقذفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب

فالأمة العربية إذا نزع الإيمان منها فقل: عليها السلام، وهذا مجرم لبناني يكتب في صحف لبنان الكبار، ويقول عن الأمة العربية في الحرب مع إسرائيل:

هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم

بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

يقول: ائيتوني بدين يجعل العرب أمة، ولو كان قومية أو بعثية أو حزبية غير الإسلام، ولو كان دين برهم الهندوسي المجرم اللعين، الذي لا يخاف موعود الله.

ويقول الثاني وقد وقف أمام سلطان من سلاطين الدنيا، وهو شاعر يمدح السلطان ونسي عظمة الله {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:٩٣ - ٩٥] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:٣] يقول هذا السفيه الخرافي الذي نسي الله فأنساه نفسه، والإنسان إذا نسي نفسه تكلم بلا إيمان ونافق الناس ونسي الواحد الديان، يقول هذا للسلطان:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

يقول لهذا الفقير الهزيل الذي يموت ورزقه وحياته ووجوده وسمعه وبصره وكل شيء فيه من الله، وهو يقول هذا الشعر! فابتلاه الله بمرض أقعده على فراشه، بقي ينبح منه كما ينبح الكلب، لأن الذي لا يعرف الله، يعرِّفه الله بنفسه في الشدة فهو له بالمرصاد.

فرعون ما عرف الله وهو على الكرسي وعلى الحكم، يقول كما قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:٥١] فقاده الله بتلابيب ثيابه حتى أنزله في الطين والوحل وأمضى الأنهار والمياه على رأسه؛ فعرف الله وقت الشدة، قال تعالى على لسان فرعون: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠] آلآن يا دجال! آلآن يا لعين! وقد نسيت عظمة الله وجلاله.

فابتلى الله هذا الشاعر بمرض فبكى وأبكى، وأخذ يتقلب على فراشه ويقول يخاطب رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويعتذر:

أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقِ

لستَ الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالقِ

من يعلق أمله بغير الله، يقطع الله حبله وولايته، ويقطع أثره في الأرض، ومن يعتمد على غير الله يهزمه الله ويجعله على دائرة الفشلة، وقد سمعنا ورأينا من الذين أساءوا للإسلام ولو ادعوا الإسلام، ولو سكنوا في بلاد الإسلام، ولو تكلموا بلغة الإسلام أتوا، فإذا حلت بهم الأزمات إما مرض عضال فأصبح في المستشفى على السرير الأبيض، أو أصابته كارثة في أطفاله، فعندها عرف الله فأصبح يراجع حسابه، لكن في وقت ضائع، لأنه نسي الله عز وجل، فراعوا يا عباد الله، تعظيم حرمات الله في مجالسنا واجتماعاتنا ومدارسنا.

فإن من الكلمات ما تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفاً يطلقها بلا اعتبار، يستهزئ بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو يستهزئ بالسنة الخالدة، أو بالدعاة والدعوة، ولم يعلم أنه يستهزئ برب العالمين تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].

هذا هو الكفر والنفاق، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٤] وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.

يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:٩] لم يدخل النور والإيمان قلوبهم {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:١١] لا تفسدوا في إعلامنا وصحفنا لا تفسدوا في كتبنا ومصنفاتنا، لا تفسدوا في دوائرنا ومدارسنا {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١].

أي: نحن أهل التطور وأهل التقدم، وهم الرجعيون المتخلفون المتأخرون، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:١٣] أي: المتطرفون {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:١٣ - ١٤] إذا جلسوا مع الدعاة الأخيار، والعباد والزهاد، لبسوا جلود الغنم من الليِّن، وقلوبهم قلوب الذئاب {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:١٤ - ١٥].

أتدرون ما معنى الاستهزاء هنا؟ يقال في بعض الآثار الصحيحة: إن الله يأتي بهم يوم القيامة، فيجعل لهم نوراً على الصراط، فيظنون أن هذا النور بإيمان سوف ينجيهم ويجتازوا به الصراط، والصراط مظلم، نسأل الله أن ينور لنا ولكم ما في الصراط.

فإن من الناس من يأتي ونوره كالظفر، ومنهم من يأتي ونوره يلمع كالنجم، ومنهم من يأتي ونوره كالقمر، ومنهم من يأتي ونوره كالشمس، فيأتي الله بهؤلاء فيوقد لهم نوراً فيظنون أنهم في نور، فإذا أصبحوا على الصراط انطفأ نورهم فوقعوا على وجوههم {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ.

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ.

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:١٨].

فالله الله في تعظيم حرمات الله {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:٣٠] {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢] وإن منها تعظيم أسماء الله وصفاته، وكتبه، وأنبيائه، ومساجده وأوليائه، وكل ما يمت للإسلام بصلة فعظمه؛ ليعظمك الله تبارك وتعالى.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>